ينبغي علينا الآن أن نلخص المعطيات التي تفحصنا في الفصول السابقة في محاولة لإعطاء فكرة عن العلاقات المتبادلة بين مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني في تطورها الرأسمالي.
من المعلوم أن التداول البضاعي يسبق الانتاج البضاعي ويشكل واحدا من شروط نشوئه (دون ان يكون الشرط الاوحد). لقد اقتصر اهتمامنا في هذا الكتاب على دراسة المعطيات عن الانتاج البضاعي والرأسمالي، ولهذا السبب بالذات فلسنا ننوي البحث التفصيلي بمسألة مهمة هي مسألة نمو التداول البضاعي في روسيا «بعد الاصلاح». ولكي نعطي فكرة عامة عن مدى سرعة نمو السوق الداخلية يكفي ايراد المعطيات المختصرة التالية:
لقد ازداد طول شبكة سكة الحديد الروسية من 3819 كيلومتر عام 1865 إلى 29063 كلم في العام 1890، اي بما يزيد عن سبعة أضعاف. وقد عرفت بريطانيا تطورا مماثلا، وذلك على مدى زمني أطول (4082 كلم في 1845، 26819 كلم في 1875 –أي بزيادة قدرها ستة اضعاف)، كما عرفته ألمانيا، ولكن في مدة أقصر (1845-2143 كلم، 1875-27981 كلم، اي بزيادة قدرها 12 ضعفا). أما طول خطوط سكك الحديد المفتوحة كل سنة فقد كان يتفاوت كثيرا باختلاف الفترات. فمثلا، في السنوات الخمس بين 1868 و1872، فتحت خطوط جديدة بلغ طولها 8806 «فيرست»، أما في السنوات الخمس بين 1878 و1882، فاقتصر الامر على 2221 «فيرست». وان اتساع هذه التماوجات يمكننا من تقدير ضخامة جيش العاطلين عن العمل الذي تتطلبه الرأسمالية، التي توسع الطلب على لأيدي العاملة حينا وتقلصه أحيانا. وقد عرف نمو سكك الحديد في روسيا فترتي ازدهار: في نهاية الستينيات (ومطلع السبعينيات) وفي النصف الاخير من التسعينيات. فبين 1865 و1875، كان معدل الزيادة السنوية في طول شبكة سكك الحديد الروسية 1500 كيلومتر، وفي الفترة بين 1893 و1897، بلغ هذا المعدل 2500 كيلومتر.
أما حجم البضائع المشحونة بواسطة سكك الحديد فكان كالآتي: 1869- 439 مليون بود، 1873- 1117 مليون بود، 1881-2532 مليون بود، 1893-4486 مليون بود، 1896-6145 مليون بود، 1904-11072 مليون بود. وأما زيادة عدد المسافرين فلم يكن اقل تسارعا: 1868- 10.4 مليون مسافر، 1873-22.7 مليون، 1881-34.4، 1893-49.4، 1896-56.6، 1904-123.6 مليون.
(…)
هذا وبلغ حجم الشحن المنقول عبر شبكة الانهر والقنوات الداخلية في روسيا الاوروبية 899.7 مليون بود عام 1881، وفي 1893-1181.5 مليون بود، وفي 1896-1553 مليون بود. وقد بلغت قيمة هذه الشحنات 186.5 مليون روبل، 257.2 مليون روبل، 290 مليون روبل على التوالي.
في العام 1868 كان الاسطول التجاري الروسي يتكون من 51 باخرة بخارية حمولتها 14300 «لاست» [1] ، ومن 700 مركب شراعي حمولتها 41800 لاست، وقد بلغت العام 1896 552 باخرة بخارية حمولتها 161600 لاست.
وكان تطور النقل البحري لكافة المرافئ على البحار الداخلية على النحو التالي: خلال السنوات الخمس بين 1856 و1860، بلغ عدد المراكب الخارجة والداخلة 18901، ذات حمولة اجمالية قدرتها 3783000 طن، أما في الفترة 1885-1890، فبلغ العدد 23201 مركب (+23 بالمئة) وإجمالي الحمولة 13845000 طن، (+266 بالمئة). وهكذا فان الحمولة تضاعفت 3/2 3 اضعاف. وخلال 39 سنة (1856-1894) ازدادت الحمولة بنسبة 5 أضعاف ونصف (…) فلنلاحظ أن حمولة المراكب الخارجة والمراكب الداخلة تتقلب كثيرا من سنة إلى سنة.
(فمثلا، 1878=13 مليون طن، و1881=8.6 مليون طن)، وهذه التقلبات تمكننا من قياس، ولو جزئي، للتقلبات في الطلب على العمال غير المهرة، وحمالي المرافئ، الخ. هنا ايضا تحتاج الرأسمالية إلى وجود جمهرة من الناس محتاجة دائما للعمل ومستعدة لقبول العمل، مهما يكن مؤقتا، عند أول إشارة.
أما تطور التجارة الخارجية، فيمكن أن نتبيَّنه من المعطيات الواردة أدناه:
أما المعطيات التالية، فإنها تعطي فكرة عامة عن حجم الحركة المصرفية والتراكم الرأسمالي. ارتفع اجمالي السحوبات من المصرف المركزي من 113 مليون روبل للفترة 1860-1863 (و 170 مليون روبل للفترة 1864-1869) إلى 260 مليون روبل للفترة 1884-1888، كما ارتفعت الودائع الاجمالية في الحسابات الجارية من 335 مليون روبل في الفترة 1864-1868 إلى 1495 مليون روبل للفترة 1884-1888. أما حركة جمعيات ومصارف التسليف والادخار (الريفية منها والصناعية) فانها تطورت من 4/3 2 مليون روبل العام 1872 (و21.8 مليون روبل للعام 1875) إلى 72.6 مليون روبل العام 1892 و189.6 مليون روبل العام 1903. وازدادت الرهونات من العام 1889 إلى 1894 كالآتي: ارتفع تقدير الاراضي المرهونة من 1395 مليون روبل إلى 1827 مليون، والقروض الاجمالية من 791 مليون روبل إلى 1044 مليون روبل. وقد تطورت عمليات مصارف التسليف بنوع خاص في الثمانينيات والتسعينيات. ففي العام 1880، كان يوجد 75 مصرف ادخار، فارتفع العدد العام 1897 إلى 4315 مصرفا (بمن فيهم 3454 مصارف بريدية). وفي العام 1880 بلغ حجم الودائع 4.4 مليون روبل، فإذا به يرتفع إلى 276.6 مليون روبل العام 1897. الرصيد الجاري في نهاية العام بلغ 9.0 مليون روبل سنة 1880، و494.3 مليون روبل سنة 1897. وجدير بالذكر أن الزيادة السنوية لرأس المال بلغت أرقاما مذهلة في سنتي المجاعة 1891 و1892 (52.9 و50.5 مليون روبل) وفي السنتين الأخيرتين (1896-51.6 مليون روبل، 1897-65.5 مليون روبل).
وتبين آخر الاحصائيات تطورا متناميا في مصارف الادخار. ففي العام 1904، كان يوجد في روسيا 6557 مصرف ادخار و5.1 مليون مودع، وودائع اجمالية تبلغ 1105.5 مليون روبلات. وبالمناسبة، فان كلا من الشعبويين القدامى والانتهازيين الجدد في الحركة الاشتراكية في هذا البلد غالبا ما يكونون شديدي السذاجة (حتى لا نقول أكثر) في حديثهم عن زيادة عدد مصارف الادخار بصفتها تشكل علامة على «بحبوحة» الشعب. فلن يكون في غير محله، بالتالي، ان نقارن توزيع ودائع مصارف الادخار في روسيا (1904) بمثيلاتها في فرنسا (1900. المعلومات من Bulletin de l’office du travail، 1901، العدد عشرة).
يا لها من مادة غنية للمبشرين الشعبويين-التحريفيين-الكاديت! وتجدر الاشارة العابرة إلى أن الودائع في روسيا تنقسم أيضا إلى 12 فئة حسب مهن ووظائف المودعين. ويبدو أن اكبر كمية من الودائع -228.5 مليون روبل- هي للعاملين في الزراعة والصناعات الريفية وهذه الودائع آخذة بالتطور بسرعة فائقة. القرية تتمدن. وان تحويل خراب الموجيك إلى مصدر رزق بات مهنة سريعة الادرار للربح.
ولكن، فلنعد إلى موضوعنا المباشر. دلت المعطيات الاحصائية على النمو الهائل في التداول البضاعي والتراكم الرأسمالي. وقد رأينا أعلاه كيف نشأ ميدان استثمار راس المال في كافة فروع الاقتصاد الوطني، وكيف تحول رأس المال التجاري إلى راس مال صناعي، اي كيف انخرط في الانتاج وأنشأ علاقات رأسمالية بين المشاركين في عملية الانتاج.
قلنا اعلاه ان زيادة عدد السكان العاملين في الصناعة على حساب العاملين في الزراعة هي ظاهرة ملازمة لكل مجتمع رأسمالي. وقد درسنا كيف يتم تدريجيا انفصال الصناعة عن الزراعة، فلا يبقى لنا إلا أن نقيِّم الخلاصات حول هذه المسألة.
ان التعبير الصارخ عن العملية قيد الدرس هو نمو المدن. وها هي المعطيات الدالة على هذا النحو في روسيا الاوروبية (50 مقاطعة) في فترة ما بعد الاصلاح.
وهكذا، فان نسبة سكان المدن في تزايد مطرد، أي أن السكان يتحولون باستمرار من الزراعة إلى المهن التجارية والصناعية. ويتزايد عدد سكان المدن بوتيرة تبلغ ضعفي وتيرة زيادة السكان في باقي اجزاء البلاد: فبين 1863 و1897، ازداد اجمالي السكان بنسبة 35.3 بالمئة، وازداد عدد السكان الريفيين بنسبة 48.5 بالمئة، في حين ازداد عدد السكان المدن بنسبة 97 بالمئة. وعلى امتداد 11 سنة، (1885-1897)، «فالحد الادنى من تدفق السكان الريفيين إلى المدن» بلغ 2.5 مليون نسمة، حسب تقدير السيد ف.ميخائيلوفسكي، اي بما يزيد عن 200 ألف نسمة بالسنة.
ان عدد سكان المدن التي هي مراكز صناعية وتجارية هامة ينمو بسرعة اكبر من سرعة نمو سكان المدن عموما. فعدد المدن التي يزيد عدد سكانها عن 50 ألفا يتضاعف بثلاثة اضعاف خلال الفترة ما بين 1863 و1897 (من 13 إلى 44 مدينة). وفي العام 1863، كان 27 بالمئة فقط من مجموع سكان المدن (1.7 من اصل 6.1 مليون) يتمركز في تلك المدن الكبيرة، فإذا به 41 بالمئة تقريبا العام 1885 (4.1 من اصل 9.9 مليون)، وفي العام 1897 تجاوز النصف، حوالي 53 بالمئة (6.4 من اصل 12 مليون). لذا نقول انه في الستينيات، كانت المدن الصغرى حاضنة سكان المدن، لكن المدن الكبيرة تفوقت عليها نهائيا في التسعينيات. فعدد سكان الـ 14 مدينة التي كانت تشكل أكبر مدن روسيا العام 1863 ازداد من 1.7 مليون إلى 4.3 مليون نسمة، اي بنسبة 153 بالمئة، في حين ان اجمالي عدد سكان المدن ازداد فقط بنسبة 97 بالمئة. من هنا فان النمو الضخم للمراكز الصناعية الكبيرة ونشوء عدد كبير من المراكز الجديدة هو أحد مميزات فترة ما بعد الاصلاح.
أشرنا أعلاه (الفصل الأول، القسم الثاني) إلى أن النظرية تستخلص القانون عن نمو السكان العاملين في الصناعة على حساب العاملين في الزراعة من كون راس المال المتغير ينمو نموا مطلقا في الصناعة (ونمو رأس المال المتغير يعني زيادة عدد العمال الصناعيين وعدد مجموع السكان العاملين في التجارة والصناعة)، في حين أنه في الزراعة «يتناقص رأس المال المتغير المطلوب لاستثمار قطعة أرض معينة تناقصا مطلقا». ويستطرد ماركس قلائل: «وهكذا فان رأس المال المتغير يتزايد فقط عند زراعة أرض جديدة، على أن هذا بدوره يتطلب، كشرط مسبق، مزيدا من النمو في عدد السكان غير الزراعيين».
ومن هنا فمن الواضح أن زيادة عدد السكان العاملين في الصناعة ظاهرة لا يمكن معاينتها إلا عندما توجد منطقة مأهولة سلفا وحيث كل الاراضي قيد الاستثمار. ان سكان مثل هذه المنطقة، عندما تطردهم الرأسمالية من الزراعة، لن يجدوا بديلا عن الهجرة إلى المراكز الصناعية أو إلى البلدان أخرى. على ان الوضع يتغير جوهريا عندما نلقي منطقة لم يستكمل فيها استثمار كل الاراضي ولا باتت مأهولة كليا. ذلك أن سكان مثل هذه المنطقة، عندما يُطردون من الزراعة في رقعة مأهولة، قد ينتقلون إلى رقعة غير مأهولة من هذه المنطقة ويتلون «استصلاح وزراعة أراض جديدة». فتكون النتيجة زيادة في عدد السكان العاملين في الزراعة، وقد تكون هذه الزيادة (لبعض الوقت على الاقل) مساوية لزيادة عدد السكان العاملين في الصناعة ان لم نقل انها اسرع. في حالة كهذه نلقي عمليتين اثنتين: 1-نمو للرأسمالية في القسم القديم المأهول من البلد، او في جزء منه، 2-نمو الرأسمالية على «أراض جديدة». وتعبر العملية الاولى عن المزيد عن التطور للعلاقات الرأسمالية القائمة. اما الثانية، فانها تعبر عن نشوء علاقات رأسمالية جديدة على ارض جديدة. العملية الاولى تتعلق بتطور الرأسمالية في العمق، اما الثانية، فبتطورها الافقي. وبديهي أن الخلط بين العمليتين يؤدي إلى مفهوم مغلوط لعملية انتقال السكان من الزراعة إلى المهن التجارية والصناعية.
توفر روسيا ما بعد الاصلاح المثال على تزامن هاتين العمليتين. ففي مطلع الإصلاح، في الستينيات من هذا القرن، كانت الاطراف الجنوبية والشرقية من روسيا الاوروبية قليلة السكان، وكان المهاجرون من مناطق روسيا الوسطى والزراعية يتوافدون اليها بأعداد ضخمة. والواقع ان هذا التكوّن لسكان زراعيين جدد على مساحات أرض جديدة هو الذي تولى التعتيم على العملية الموازية، عملية تحول السكان من الزراعة إلى الصناعة. ولتوضيح الصورة عن هذه السمة المميزة لروسيا، بناء على المعطيات الاحصائية عن سكان المدن، يجب تقسيم المقاطعات الخمسين لروسيا الاوروبية إلى مجموعات مستقلة. فنقدم المعطيات عن السكان المدينيين في تسع مناطق من روسيا الاوروبية للعام 1863 والعام 1897 [2] .
أما بالنسبة إلى القضية التي تهمنا، فالمهم هو ما يتعلق بالمناطق الثلاث: 1-المنطقة الصناعية غير الزراعية (11 مقاطعة في أول فئتين بما فيها مقاطعتي الحواضر). وهذه منطقة عرفت هجرة شحيحة إلى المناطق الأخرى. (2) المنطقة الزراعية الوسطى (13 مقاطعات في الفئة 3). وكانت الهجرة من هذه المنطقة واسعة النطاق. جزئيا إلى المنطقة الأولى، ولكن أساسا إلى المنطقة التالية. (3) الاطراف الزراعية (المقاطعات التسع في الفئة 4) تشكل منطقة جرى استيطانها في فترة ما بعد الاصلاح. اما نسبة السكان المدينيين في كل هذه المقاطعات الـ 33 فإنها تختلف قليلا، كما يظهر من الجدول، عن لنسبة المئوية للسكان المدينيين في روسيا الأوروبية عموما.
نشاهد في المنطقة الأولى، غير الزراعية أو الصناعية، ارتفاعا سريعا جدا في نسبة السكان المدينيين من 14.1 بالمئة إلى 21.1 بالمئة. ومعدل نمو السكان الريفيين هنا بطيء جدا، إذ هو بالكاد يتجاوز نصف ما هو عليه لروسيا كلها. أما نمو السكان المدينيين، فإنه، في المقابل، أعلى بكثير من المعدل (105 بالمئة في مقابل 97 بالمئة). واذا كان لا بد من مقارنة روسيا بالبلدان الصناعية لأوروبا الغربية (كما هو الحال غالبا) فينبغي مقارنة تلك البلدان بهذه المنطقة بالذات، لأنها وحدها تملك ظروفا شبيهة بظروف البلدان الصناعية الرأسمالية.
تتغير الصورة في المنطقة الثانية، المنطقة الرزاعية الوسطى. فنسبة السكان المدينيين هنا منخفضة جدا وهي تنمو بوتيرة أدنى من المعدل. فقد كانت الزيادة في عدد السكان المدينيين والريفيين بين 1863 و1897، أدنى بكثير من المعدل لكل روسيا. وهذا ما يفسره التدفق الواسع للمهاجرين من هذه المنطقة إلى الاطراف الحدودية. ويقدّر السيد ف.ميخائيلوفسكي انه خلال الفترة 1885-1897 غادر تلك الانحاء حوالي ثلاثة ملايين نسمة، أي اكثر من ثلث السكان.
أما في المنطقة الثالثة، منطقة الأطراف: فقد عرفت نسبة السكان المدينيين زيادة كانت ادنى بقليل من المعدل (من 11.2 بالمئة إلى 13.3 بالمئة، اي وفق نسبة قدرها 100: 118، في حين أن المعدل هو من 9.94 إلى 12.76، أي بنسبة قدرها 100: 128). ومع ذلك فان النمو المطلق للسكان المدينيين هنا، لم يكن اقل من المعدل، بل أعلى منه بكثير (+130 بالمئة مقابل +97 بالمئة). وبالتالي، فان تحويل السكان من الزراعة إلى الصناعة كان كثيفا جدا، لكنه جرى التعتيم عليه بالنمو الكبير في السكان العاملين في الزراعة بسبب موجة هجرة إلى المنطقة، حيث ارتفع عدد السكان الريفيين بنسبة 87 بالمئة، في حين لم نتجاوز هذه النسبة 48.5 بالمئة لمجموع روسيا. وتجلى عملية التعتيم على ظاهرة انخراط السكان في الصناعة بشكل صارخ في بعض المقاطعات. ففي مقاطعة تاوريدا مثلا، لم تتغير نسبة السكان المدينيين العام 1897 عنها في العام 1863 (19.6 بالمئة)، لا بل انها تراجعت في مقاطعة خيرسون (من 25.9 بالمئة إلى 25.4 بالمئة) رغم ان نمو المدن في كلا المقاطعتين لم يكن متخلفا كثيرا عن النمو في مقاطعتي الحواضر (+ 131 بالمئة، +135 بالمئة في مقابل +141 بالمئة بالنسبة لمقاطعتي الحواضر). وهكذا فان زيادة السكان الزراعيين الجدد على أراض جديدة تؤدي بدورها إلى مزيد من النمو في عدد السكان غير الزراعيين.
بالإضافة إلى المدن، تكتسب التجمعات التالية موقع المراكز الصناعية: أولا، الضواحي التي لا يجري احتسابها دائما مع المدن مع أنها باتت تغطي رقعة متوسعة باستمرار حول المدن الكبيرة، ثانيا، البلدات والقرى المعملية. وتتكاثر هذه المراكز الصناعية في المقاطعات الصناعية حيث نسبة السكان المدينيين شديدة الانخفاض. ويظهر من الجدول المثبت اعلاه [3] ، والذي يعالج ارقام سكان المدن حسب المناطق، انها في 9 مقاطعات صناعية بلغت 7.3 بالمئة العام 1863 و8.6 بالمئة العام 1897. والواقع ان السكان العاملين في التجارة والصناعة في تلك المقاطعات ليسوا متمركزين في المدن، بل في القرى الصناعية. فمن بين «بلدات» مقاطعات فلاديمير، وكوستروما، ونيجني-نوفغورود وسواها، يوجد عدد غير قليل يضم اقل من ثلاثة آلاف أو الفين أو حتى الف مواطن، في حين توجد «قرى» عديدة تضم الواحدة منها ألفين أو ثلاثة أو حتى خمسة آلاف عامل. وكما يلاحظ عن حق واضح «مسح مقاطعة ياروسلافل» (المجلد 2، ص 191) ففي فترة ما بعد الاصلاح «بدأت المدن تنمو بوتيرة اسرع من ذي قبل، وشهدنا بالإضافة إلى ذلك نمو مستوطنات من نمط جديد، نمو طراز من المركز المعملي يقع في منزلة بين المنزلتين، بين المدينة والقرية». وقد أوردنا الأرقام التي تبين النمو السريع جدا لهذه المراكز ولعدد العمال الصناعيين المجمعين فيها. وتبين لنا أنه يوجد عدد غير قليل من المراكز من هذا النوع في مختلف أنحاء روسيا، ليس فقط في المقاطعات الصناعية، بل وفي الجنوب أيضا. ففي الاوروال، تبلغ نسبة السكان المدينيين أدناها: ففي مقاطعتي فياتكا وبيرم، كانت النسبة 3.2 بالمئة عام 1863 و47 بالمئة عام 1897. ولكن هناك مثالا عن الحجم النسبي للسكان «المدينيين» والصناعيين: في قضاء كراسنوفيمسك-مقاطعة بيرم- يبلغ عدد السكان المدينيين 6400 (للعام 1897) في حين نجد انه وفق احصاء الزييمستوفات للأعوام 1888-1891، يبلغ السكان الصناعيون في القضاء 84700، بينهم 56000 لا يتعاطون الزراعة اطلاقا وفقط 56000 يعيشون على الأرض أساسا. وفي قضاء ايكاتريبرغ، حسب احصاء الزييمستوفات، هناك 65000 نسمة بدون أرض، و81000 يتمتعون بأراض للرعي. من هنا، فان عدد السكان غير المدينيين لاثنين من الاقضية فقط هو أكبر من السكان المدينيين للمقاطعة بأسرها (الذين كانوا 195000 نسمة العام 1897!).
وأخيرا، فبالإضافة إلى المستوطنات المعملية، فان صفة المراكز الصناعية تنطبق أيضا على قرى تجارية وصناعية، تهيمن على نواح من تجمعات الصناع اليدويين أو هي نمو بسرعة فائقة منذ الاصلاح نظرا لموقعها على ضفاف الانهر وقرب محطات سكك الحديد، الخ. وقد قدمنا في الفصل السادس (القسم 2) عدة أمثلة عن مثل هذه القرى، وتبين أنها تجذب اليها السكان الريفيين، مثلما كمثل المدن، وغالبا ما يتميز سكانها بمستوى من التعليم يزيد عن المعدل. وكمثال إضافي، فلنستشهد بمعطيات عن مقاطعة فورونيج لكي نبين الاهمية النسبية للمراكز الصناعية والتجارية المدينية وغير الميدنية. في «العائدات الاحصائية المندمجة» لمقاطعة فورونيج، هناك لائحة مندمجة تصنِّف القرى في 8 أقضية في المقاطعة. في تلك الاقضية توجد 8 مدن، يبلغ عدد سكانها 56149 (العام 1897). ومن بين القرى، في المقابل، هناك أربع تضم 9376 اسرة و53732 نسمة، أي انها اكبر بكثير من المدن. كذلك تضم هذه القرى 240 مؤسسة تجارية و4.4 مؤسسات صناعية. وثمة 60 بالمئة من اجمالي عدد الأسر، لا يتعاطى الزراعة على الإطلاق، و21 بالمئة يزرعونها على أساس الاستئجار من الجار أو على اساس المشاركة (المناصفة)، 71 بالمئة يفتقدون لحيوانات الجر وللأدوات الزراعية، و63 بالمئة يشترون الحبوب على امتداد العام، و80 بالمئة يتعاطون الصناعة. ونحن إذ نصنِّف اجمالي سكان هذه المراكز في فئة العاملين في التجارة والصناعة، لا نكون مبالغين البتة، بل لعلنا ما دون الحجم الفعلي لهؤلاء العاملين، لأنه يوجد في الأقضية الثمانية 21906 أسرة لا تفلح الارض بتاتا. وعلى الرغم من ذلك، ففي المقاطعة الزراعية قيد الدرس، نجد ان السكان العاملين بالتجارة والصناعة خارج المدن ليسوا اقل منهم داخلها.
ولكن حتى إذا أضفنا إلى المدن القرى والبلدات المعملية والتجارية والصناعية، فنظل بعيدين جدا عن استكمال مجموع السكان الصناعيين في روسيا. ان القيود على حرية الحركة والانغلاق الفئوي للقرية المشاعية تفسر تفسيرا كاملا الصفة المميزة لروسيا بحيث اننا مضطرون لاحتساب جزء لا بأس به من السكان الريفيين ضمن السكان الصناعيين، ذلك الجزء الذي يكسب معيشته بالعمل في المراكز الصناعية ويقضي فيها قسما من سنته. نشير هنا إلى ما يسمى «الاستخدامات الخارجية» غير الزراعية. ترى وجهة النظر الرسمية في هؤلاء «الصناعيين» مزارعين فلاحين يعملون في «استخدامات ثانوية» فقط، وقد تبنت اكثرية الاقتصاديين الشعبويين وجهة النظر هذه، دون كبير جدال. وبعد كل ما قيل أعلاه، ليس ثمة من حاجة لبرهان تفصيلي عن مدى بطلانها. وفي كل الأحوال، ومهما تباينت الآراء حولها، فما من شك في أنها تشير إلى تحويل السكان من المهن الزراعية إلى المهن التجارية والصناعية (…)
(…) وهكذا، فما من شك في ان حراكية السكان اكبر في مناطق روسيا غير الزراعية منها في المناطق الزراعية. فلا بد لعدد العمال المهاجرين غير الزراعيين من ان يكون اكبر من عدد العمال المهاجرين الزراعيين، كما لا بد له من ان يزيد عن ثلاثة ملايين عامل [4] .
ان النمو الضخم والمطرد للهجرة هو ما ما تؤكده كل المصادر (…)
ان الهجرة غير الزراعية ظاهرة تقدمية مثلها كمثل تحويل السكان من الزراعة إلى المدن. فهي تنتزع السكان من المناطق المهملة، المتخلفة، والنائية تاريخيا لتجذبهم إلى معمعة الحياة الاجتماعية العصرية. ان الهجرة تزيد نسبة التعليم بين السكان، وترفع مداركهم، وتزودهم بالعادات والمتطلبات المتمدنة.
يندفع الفلاحون إلى الهجرة «بحوافز راقية»، اي بتفوق الحذاقة والتهذيب لدى سكان سان بطرسبرغ، فإذا بهم-أي الفلاحون-يتطلعون إلى حيث «الأمور أفضل». «وهم يعتبرون الحياة والعمل في سان بطرسبرغ أيسر منهما في الريف» [5] . «جميع الريفيون يسمون أجلافا، والغريب في الأمر انهم لا يشعرون بأية اهانة البتة من ذلك، بل انهم هم الذين يطلقون هذا النعت على أنفسهم، ويتذمرون لأن أهلهم لم يرسلوهم إلى سان بطرسبرغ لتحصيل العلم. على انه لا بد من القول ان هؤلاء الريفيين الأجلاف ليسوا بجلافة سكان المناطق الزراعية المحضة، ذلك انهم يتمثلون، في لاوعيهم، المظاهر والعادات الخارجية لاهالي سان بطرسبرغ: ان نور الحاضرة يشع عليهم ولو بطريقة غير مباشرة» [6] . أما في مقاطعة ياروسلافل (اضافة إلى الامثلة عن اناس أصابوا الثراء) «يوجد عامل اضافي لاندفاع الناس بعيدا عن منازلهم. وهذا العامل هو الرأي العام الذي يصم بالجلافة مدى الحياة كل من لم يسكن سان بطرسبرغ، أو سواها من المدن، ويكتفي بالعمل بالزراعة أو الحرف، ويجد مثل هذا الرجل صعوبة في ان يجد لنفسه زوجة» (مسح مقاطعة ياروسلافل، الجزء 2، ص 118). ان الهجرة إلى المدينة ترفع الفلاح إلى مصاف المواطن، وتحرره من جملة من الارتهانات العشائرية والشخصية والانقسامات الفئوية الطبقية العميقة الجذور في الارياف….
«ان عاملا أساسيا من العوامل المشجعة على الهجرة هو ذلك الشعور النامي بالكرامة الانسانية بين الشعب. ان التحرر من القنانة والارتباط القديم للقطاع الاكثر حيوية من سكان الريف بحياة المدن، طالما أثارا عند الفلاح في ياروسلافل الثقة بالنفس، والطموح إلى الانفلات من حالة الفقر والتبعية التي تفرضها عليه حياة الريف، نحو حالة من الاكتفاء والاستقلال والاحترام… ان الفلاح الذي يعيش على المداخيل الخارجية يشعر بحرية اكبر وبالمزيد من المساواة تجاه الذين ينتمون إلى مراتب اجتماعية أخرى، وهذا ما يفسر هذه الرغبة الجامحة عند الشباب في الهجرة إلى المدن» (المصدر ذاته، الجزء 2، ص 189-190).
الهجرة للمدن تؤدي إلى تفكك العلاقات العشائرية القديمة وترفع المرأة إلى موقع أكثر استقلالا، وتجعلها ندّا للرجل. «بالمقارنة مع المناطق التي لم تعرف الهجرة، نجد ان عائلات سوليغاليش وشوخلوما» (وهما قضاءان من اقضية مقاطعة كوستروما التي تعرف اعلى نِسَبِ للهجرة) «وهي أقل تماسكا، ليس فقط من منظار تعلق السلطة البطريركية للشيوخ، وإنما ايضا من منظار العلاقات بين الآباء والبنين، بين الرجل وزوجته. وبالطبع، يصعب ان تتوقع عاطفة جارفة وتشبثا عنيفا بالبيت الابوي لدى ابناء ارسلوا إلى سان بطرسبرغ منذ سن الاثنتي عشرة سنة فأصبحوا كوزموبوليتيين لاشعوريا، وأصبح لسان حالهم «وطني حيث اشعر بالارتياح» [7] «ان المرأة في سوليغاليش معتادة على الاستغناء عن سلطة زوجها ومساعدته، لذا تجدها مختلفة كل الاختلاف عن الفلاحة المسحوقة في المنطقة الزراعية: انها مستقلة وتعتمد على نفسها… ان ضرب الزوجات استثناء نادر هنا… ونلاحظ في العادة المساواة بين النساء والرجال حيثما كان وفي كل الأمور» [8] .
وأخيرا ليس آخرا، فالهجرة غير الزراعية ترفع الأجور، ليس فقط أجور العمال المأجورين الذين يهاجرون، وإنما أيضا أجور الذين يلازمون قراهم [9] .
وتنعكس هذه الواقعة بنوع خاص في ان المقاطعات غير الزراعية حيث الاجور اعلى مما هي عليه في المقاطعات الزراعية تجذب اليها العمال الزراعيين من هذه الاخيرة (…)
الاجور في المانيفاتورة اعلى منها في الزراعة، «وتفيد تقارير العديد من المراسلين ان الصناعات تساعد على تنمية متطلبات جديدة (الشاي، الخام، الأحذية، ساعات الحائط، الخ.) بين الفلاحين، وعلى رفع مستوى معيشتهم العام، فتؤدي بالتالي إلى ارتفاع الأجور» [10] .
وهذا رأي نموذجي لأحد المراسلين:
«ان ندرة [اليد العاملة] دائمة، والسبب هو ان سكان الضواحي مفسدون، يعملون في ورش سكك الحديد ويخدمون على خطوط سكك الحديد. ودائما ما يؤدي قرب كالوغا وأسواقها إلى اجتذاب السكان المجاورين، يتوافدون اليها لبيع البيض والحليب، الخ.، ثم يعربدون في الخمارات، والسبب في ذلك ان الجميع يريد أعلى الاجور لأقل كمية ممكنة من العمل. وهم يعتبرون العامل الزراعي مهمنة شائنة، وجميعهم يسعى إلى المدن حيث يضخمون صفوف البروليتاريا والرعاع، في حين يعاني الريف، في المقابل، من نقص في العمال القادرين والأقوياء» [11] .
ان نعت هذا التقييم للصناعات المستخدمة للعمال المهاجرين بأنه شعبوي له كل ما يبرره. فالسيد جبانكوف، مثلا، إذ يشير إلى ان الذين يهاجرون ليسوا يدا عالمة فائضة، بل «ضرورية» يحل محلهم الفلاحون الوافدون، يعتبر «بديهيا» أن تكون «هذه الاستبدالات بالغة الإفادة» ولكن لمن، يا عزيزنا جبانكوف؟ «ان الحياة في العواصم تلقن العديد من العادات المتمدنة عند الفئة الدنيا وميلا نحو البذخ والاستعراضية، وهذا ما يؤدي إلى تبذير، لاطائل تحته، (!!) للمال» [12] ، ان النفقات الاستعراضية وما شابهها غالبا ما تكون –غير انتاجية-!! [13] . ويولول السيد هيرتزنشتاين متباكيا على «الثقافة الزائفة»، و«الحياة الصاخبة»، و«التعتعة المنفلة من عقالها»، و«عربدات السُكر والتهتُّك القذر»، الخ [14] .
وانطلاقا من معطيات الهجرة الواسعة النطاق، يستنتج علماء الاحصاء الموسكوبيين انه من الضروري اتخاذ «الاجراءات التي تؤدي إلى خفض الحاجة إلى العمل المهاجر». ويحاجج السيد كاريشيف عن اليد العاملة المهاجرة على النحو التالي: «وحدها زيادة رقعة أراضي الفلاحين إلى حجم يسد الحاجات الاساسية (!) لعائلاتهم تستطيع ان تحل هذه المشكلة الخطيرة في اقتصادنا الوطني».
ولكن ليس يخطر ببال اي من هؤلاء السادة الحاذقين انه قبل الحديث عن «حل المشاكل الخطيرة»، لا بد من ان نؤمن للفلاح حرية الحركة الكاملة، وحرية التخلي عن الارض ومغادرة المشاعة، حرية الاستقرار (دون الاضطرار إلى دفع اموال الاعتاق) في اي تجمع سكاني، مدنيا كان أم دينيا!
وهكذا فان تحويل السكان عن الزراعة في روسيا يتمثل في نمو المدن (وهو نمو يحجبه الاستبطان المحلي جزئيا)، والضواحي، والقرى والبلدات المعملية والتجارية والصناعية، مثلما يتجلى في الهجرة غير الزراعية. وتشكل كافة هذه العمليات، التي تطورت وتتطور بسرعة، أفقيا وفي العمق، في فترة ما بعد الاصلاح، مقومات ضرورية للتطور الرأسمالي، وهي عميقة المضمون التقدمي بالمقارنة مع اشكال الحياة السابقة.
في دراسة تطور الرأسمالية، لا بد لنا من ايلاء الاهمية القصوى إلى مدى استخدام العمل المأجور. ذلك ان الرأسمالية هي ذلك الطور من تطور الانتاج البضاعي حيث تتحول قوة العمل، هي أيضا، إلى سلعة. والميل الرئيسي للرأسمالية هو نحو زج اجمالي قوة العمل للاقتصاد الوطني في الإنتاج، ولكن فقط بعد بيعها وبعد شرائها من قبل أرباب العمل. حاولنا، أعلاه، ان نبين بالتفصيل تجليات هذا الميل في روسيا بعد الاصلاح. يبقى علينا الآن استخلاص الخلاصات الضرورية. لنتحتسب، اولا بأول، عدد بائعي قوة العمل كما ورد في الفصول السابقة ثم نصف شراة قوة العمل (في القسم القادم).
ان بائعي قوة العمل يخرجون من صفوف الشعب العامل في البلد المنخرط في انتاج القيم المادية. ويقدر عدد هؤلاء السكان بـ 15 مليون ونصف المليون من العمال الذكور البالغين. وقد بيَّنا، في الفصل الثاني، ان الفئة الدنيا من الفلاحين ليست سوى بروليتاريا ريفية، وقلنا اننا سندرس لاحقا الاشكال التي بواسطتها تبيع البرولياتاريا قوة عملها. فلنجمع الآن فئات العمال المأجورين التي جرى تعدادها سابقا:
1-العمال المأجورون الزراعيون وعددهم 3 ملايين ونصف المليون (في اوروبا الغربية).
2-عمال المصانع والمناجم وسكك الحديد –حوالي مليون ونصف الميلون. والمجموع: خمسة ملايين عامل مأجور محترف.
وبالإضافة لذلك:
3-عمال البناء، حوالي المليون.
4-عمال الاخشاب (قاطعو الأشجار، حطابون، ناقلو الاخشاب في الأنهار، الخ)، عمال غير مهرة، بناة سكك حديد، حمالون، وبشكل عام مختلف فئات العمال «غير المهرة» في المراكز الصناعية. وهؤلاء تعدادهم مليونا عامل.
5-العمال المشتغلون في المنازل لصالح الرأسماليين، وأيضا العاملون لقاء اجور في المانيفاتورات غير المشمولين في «الصناعة المعملية». وهؤلاء يبلغ تعدادهم ايضا مليوني عالم.
المجموع –حوالي عشرة ملايين عالم مأجور. وإذا ما حذفنا النساء والأطفال- ولنقل انهم الربع (4/1)- يبقى لدينا سبعة ملايين ونصف المليون عامل مأجور من الذكور والبالغين، اي حوالي نصف مجموع السكان الذكور والبالغين المنخرطين في انتاج القيم المادية في البلد ككل. ان قسما من هذا الجمع العريض من العمال المأجورين قد حقق قطيعة كاملة مع الأرض، وهو يعيش كليا من بيع قوة عمله. وهو يضم الاكثرية الساحقة من عمال المصانع (وبالتأكيد، اكثرية عمال المناجم وسكك الحديد) وقسما من عمال البناء احواض السفن والعمال غير المهرة، كما يضم أخيرا قسما كبيرا نسبيا من العمال المستخدمين في المانيفاتورات الرأسمالية وسكان المراكز غير الزراعية المنخرطة في العمل المنزلي لصالح الرأسماليين. أما القسم الآخر، والأكبر، فانه لم يحقق القطيعة بعد مع الأرض ويغطي نفقاته جزئيا من المداخيل المتأتية من فلاحة رقع أرض صغيرة، ويشكل بالتالي نمطا من العامل المأجور المحاصص الذي حاولنا وصفه في الفصل الثاني. وقد بيَّنا في ملاحظات سابقة ان هذا الجمع العريض من العمال المأجورين قد تكوّن أساسا في فترة ما بعد الاصلاح وانه مستمر في التنامي السريع.
ويهم هنا ملاحظة دلالة الخلاصة التي توصلنا اليها بصدد فائض السكان النسبي (أو جيش العمل الاحتياطي) الذي تخلقه الراسمالية. ويظهر جليا من المعطيات المتعلقة بإجمالي عدد العمال المأجورين في كافة فروع الاقتصاد الوطني، الخطأ الاساسي الذي يرتكبه الاقتصاديون الشعبويون حول هذه النقطة. وكما أتيحت لنا فرصة ان نلاحظ في مكان آخر (دراسات، ص 38-42)، فالخطأ يمكن في ان الاقتصاديين الشعبويين (السادة فورونتسوف ودانيالسون وشركاؤهما) الذين تحدثوا كثيرا عن «تحرير» الرأسمالية للعمال، لم يفكروا في دراسة الاشكال المحددة لفائض السكان الرأسمالي في روسيا، كما انهم عجزوا كليا عن استيعاب الحقيقة القائلة ان مجرد وجود الرأسمالية وتطورها في هذا البلد قد اقتضى وجود جمهرة ضخمة من العمال الاحتياطيين. وبواسطة العبارات التافهة، والحسابات العجيبة عن عدد العمال «الصناعيين» حوّلوا واحدا من الشروط الاساسية لتطور الراسمالية إلى برهان على كون الراسمالية مستحيلة، كونها خطأ وعمارة بلا أساس، الخ. على ان الواقع انه لم يكن للرأسمالية الروسية ان تتطور إلى مستواها الحالي، بل ان تعيش لسنة واحدة، لولا ان مصادر ممتلكات المنتجين الصغار لم يخلق جيشا من عدة ملايين من العمال المأجورين المستعدين، لدى أول إشارة، لإشباع الحد الاقصى من الطلب لدى أرباب العمل في الزراعة، وقطع الأخشاب، والبناء، والتجارة وفي صناعات المانيفاتورة والتعدين والنقل، الخ. ونقول «الحد الاقصى من الطلب»، لأن الرأسمالية لا تتطور إلا على نحو تشنُّجي متقطع، وبالتالي، فان عدد المنتجين المضطرين لبيع قوة عملهم يجب ان يفوق دائما المعدل الوسطي لطلب الرأسمالية للعمال.
لقد قدرنا العدد الاجمالي لمختلف فئات العمال المأجورين، لكننا لم نرد بذلك القول انه بمقدور الرأسمالية ان توفر العمل لهم جميعا. لا ولن يوجد مثل هذا الانتظام في الاستخدام في المجتمع الرأسمالي، بغض النظر عن اية فئة من العمال المأجورين نتناول. ومن بين ملايين العمال المهاجرين او المستقرين، يبقى قسم معين في عداد جيش العاطلين عن العمل الاحتياطي، فتارة يتضخم هذا الجيش ليكتسب احجاما ضخمة في سنوات الأزمات، او اذا عرفت صناعة معينة الانتكاسة في منطقة معينة، أو إذا كان ثمة انتشار سريع لاستخدام الانتاج الآلي، مما يؤدي الى الاستغناء عن اعداد من العمال –وطورا، يتقلص إلى الحد الأدنى، إلى حد إحداث «نقص» في اليد العاملة، وغالبا ما يكون هذا النقص موضع تذمر أرباب العمل في بعض الصناعات، في سنوات معينة ومناطق معينة. على انه يستحيل التحديد، ولو التقريبي، لعدد العاطلين عن العمل في عام متوسط، نظرا للغياب الكلي لما يقارب الاحصائيات الموثوقة. لكن الاكيد ان العدد كبير جدا، وهذا ما تؤكده التذبذبات الهائلة في الصناعة والتجارة والزراعة الرأسمالية، التي أشرنا اليها أعلاه في عدة مناسبات، كما يؤكده العجز المألوف في موازنات الفئة الدنيا [15] من الفلاحين كما تسجله احصائيات الزييمستوفات. والحقيقة ان زيادة عدد الفلاحين المقذوف بهم إلى مصاف البروليتاريا الصناعية والزراعية وزيادة الطلب على العمل المأجور هما وجهان لعملة واحدة. اما عن اشكال العمل المأجور، فإنها شديدة التنوع في المجتمع الرأسمالي، وهي لا تزال متشابكة أينما كان مع مؤسسات النظام قبل الرأسمالي وبقاياه. وان تجاهل هذا التنوع الكبير في الاشكال ينطوي على خطأ كبير، وهو خطأ يرتكبه اناس أمثال السيد فورونتسوف الذي يحاجج ان الرأسمالية قد «تحصنت في زاوية مع حوالي مليون ونصف المليون من العمال، ولم تخرج منها قط» [16] . وها نحن الآن امام الصناعة الآلية الكبرى بدلا من الرأسمالية. ولكن بأي عسف واصطناع يجري حشر هذا المليون ونصف الميلون من العمال في «زاوية» خاصة يفترض انها بدون أي اتصال بسائر ميادين العمل المأجور! فالواقع ان الاتصال وثيق جدا، ويكفي، لتشخيصه، أن نذكر سمتين مميزيتن من سمات النظام الاقتصادي الحالي.
أولا، يرتكز هذا النظام على الاقتصاد المالي. ان «جبروت المال» يتجلى بكامل قوته في كل من الصناعة والزراعة، في المدينة والريف في آن، لكنه يصل إلى ذروة تطوره، ويصفي بقايا الاقتصاد العشائري نهائيا، ويتمركز في بضعة من المؤسسات الكبيرة (المصارف) ويرتبط مباشرة بالإنتاج الاجتماعي الواسع النطاق فقط في ظل الصناعة الآلية الكبيرة.
ثانيا، يعتمد النظام الاقتصادي الحالي على شراء وبيع قوة العمل. وإذا ما اخذنا اصغر المنتجين في الزراعة أو في الصناعة، فسوف نجد ان الذي يؤجر نفسه، او هو يستأجر سواه، انما يشكل الاستثناء. لكن هذه العلاقات هنا أيضا لا تبلغ كامل تطورها ولا تنفصل نهائيا عن الاشكال الاقتصادية السابقة إلا في ظل الصناعة الآلية الكبيرة. ومن هنا فان «الزاوية» التي تبدو ضيقة جدا في نظر بعض الشعبويين تجسَّد، في الحقيقة، جوهر العلاقات الاجتماعية الحديثة، وسكان هذه الزاوية، اي البروليتاريا، هم طليعة جموع الكادحين والمستغلين، بالمعنى الحرفي للكلمة.
لذلك فن دراسة كل النظام الاقتصادي الراهن من زاوية العلاقات التي نشأت في هذه «الزاوية» هي وحدها التي توضح العلاقات الاساسية بين مختلف فئات المساهمين في الانتاج، فتسمح بالتالي بالتقاط اتجاه التطور الرئيسي لهذا النظام. ومن جهة أخرى، فان الذي يدير ظهره لهذه «الزاوية» ويكتفي بدراسة الظواهر الاقتصادية من منظار الانتاج العشائري الصغير، تحوله مسيرة التاريخ إما إلى حالم بريء وإما إلى ايديولوجي للبرجوازية الصغيرة وللملاك الزراعيين.
في استخلاصنا الاستنتاجات من المعطيات الواردة سابقا عن هذه المسألة، سوف نقتصر على صورة حركة العمال في روسيا الاوروبية. هذه الصورة تقدمها لنا نشرة لمديرية الزراعة مبنية على شهادات ارباب العمل انفسهم. وتقدم صورة حركة العمال فكرة عامة عن كيفية تكوّن سوق داخلية لقوة العمل. وفي استخدامنا للنشرة المذكورة، سنحاول التمييز بين حركة العمال الزراعيين وحركة العمال غير الزراعيين…
ان التحركات الاساسية للعمال الزراعيين هي التالية:
1-من المقاطعات الزراعية الوسطى إلى الاطراف الجنوبية والشرقية.
2-من مقاطعات التربة السوداء الشمالية إلى مقاطعات التربة السوداء الجنوبية التي ينتقل منها العمال إلى الاطراف (المناطق الحدودية) (راجع الفصل الثالث…)
3-من المقاطعات الزراعية الوسطى إلى المقاطعات الصناعية (راجع الفصل الرابع…)
4-من المقاطعات الزراعية الوسطى والجنوبية الغربية إلى منطقة مَزارع الشمندر السكري (ويأتي العمال إلى هذه الأمكنة جزئيا من غاليسيا).
اما التحركات الاساسية للعمال غير الزراعيين فهي التالية:
1-إلى الحواضر والمدن الكبيرة، أساسا من المقاطعات غير الزراعية، ولكن بدرجة كبيرة أيضا من المقاطعات الزراعية.
2-إلى المنطقة الصناعية، إلى مصانع فلاديمير، ياروسلافل، وغيرهما من المقاطعات في المناطق اياها.
3-إلى المراكز الصناعية الجديدة أو إلى فروع الصناعة الجديدة، إلى مراكز الصناعة غير المعملية، الخ. وتتم هذه الحركة بالاتجاهات التالية: 1-إلى معامل تكرير السكر الشمندري من المقاطعات الجنوبية الغربية، ب-إلى منطقة المناجم الجنوبية، ج-إلى الأعمال في الموانئ (أوديسا، روستو على الدون، ريغا، الخ)، د-إلى مستنقعات الخُث في فلاديمير وسواها من المقاطعات، هـ-إلى مناطق التنجيم والتعدين في الاوروال، و-إلى مناطق صيد الاسماك (استراخان، البحر الاسود، بحر أزوف، الخ)، ز-إلى احواض السفن، وأعمال البحارة والتحطيب والملاحة النهرية، الخ، ح-إلى أعمال سكك الحديد، الخ.
تلك هي أبرز تحركات العمال التي تؤثر ماديا، إلى هذا الحد أو ذاك، على ظروف استخدام اليد العاملة في مختلف المناطق، حسب شهادات ارباب العمل. ولكي نقدر على اكمل وجه دلالة هذه التحركات، فلنقارنها بالمعطيات عن الأجور في مختلف المناطق التي يهاجر العمال منها واليها (…)
يظهر من هذا الجدول أساس العملية التي تتكون بواسطتها السوق الداخلية لليد العاملة وبالتالي السوق الداخلية للرأسمالية. هناك منطقتان أساسيتان، الأكثر تطورا رأسماليا، تجذبان أعدادا من العمال: منطقة الرأسمالية الزراعية (الأطراف الجنوبية والشرقية) ومنطقة الرأسمالية الصناعية (الحواضر والمقاطعات الصناعية). ان مستوى الأجور هو الاكثر انخفاضا في منطقة الانطلاق، المقاطعات الزراعية الوسطى، حيث الرأسمالية هي الاقل تطورا إن في الزراعة أو في الصناعة. أما في مناطق الاستقبال، في المقابل، فترتفع الاجور في كافة مجالات العمل، كذلك ترتفع نسبة الاجور النقدية من الاجر الاجمالي [17] ، بما يؤكد ان الاقتصاد النقدي (المالي) يتوسع على حساب الاقتصاد الطبيعي. ثم ان المناطق الوسيطة، الواقعة بين مناطق الاستقبال الأشد كثافة (والأجور الاكثر ارتفاعا) وبين منطقة الانطلاق (حيث الأجور الاكثر انخفاضا) تبين ظاهرة استبدال العمال التي اشرنا اليها أعلاه: ثمة أعداد كبيرة من العمال تغادر مناطق الانطلاق محدثة حالة من النقص في اليد العاملة، وهذا النقص بدوره يجذب عمالا من مقاطعات حيث الأجور أشد انخفاضا.
وفي الجوهر، فالعملية ذات الاتجاهين في جدولنا –أي عملية تحويل السكان من الزراعة إلى الصناعة («صنعنة» السكان) وعملية تطور الزراعة الرأسمالية التجارية-الصناعية (تصنيع الزراعة)-تختزل كل ما قيل اعلاه عن تكوّن سوق داخلية للمجتمع الرأسمالي. ان السوق الداخلية للرأسمالية تتكون بفضل تطور متواز للرأسمالية في الزراعة كما في الصناعة، اي بتكون طبقة من أرباب العمل الريفيين والصناعيين من جهة، وطبقة من العمال المأجورين الريفيين والصناعيين، من الجهة الثانية. وتظهر الاشكال الاساسية لهذه العملية، ولكن ليس كل اشكالها بالتأكيد، في الاتجاهات الاساسية لحركة العمال، فقد بيَّنا أعلاه ان اشكال هذه العملية تختلف في زراعة الفلاحين عنها في زراعة ملاك الأراضي، كما تختلف باختلاف مناطق الزراعة التجارية وباختلاف مراحل التطور الرأسمالي في الصناعة، الخ.
أما إلى أي مدى يجري تشويه وبلبلة هذه العملية على يد ممثلي الاقتصاديات الشعبوية، فانه يظهر بأشد ما يظهر من الوضوح في الفصل السادس من القسم الثاني من كتاب السيد دانيالسون-«مقالات»- الذي يحمل هذا العنوان المعبر: «تأثير اعادة توزيع قوى الانتاج الاجتماعية على الموقع الاقتصادي للسكان الريفيين». ويصور السيد دانيالسون «اعادة التوزيع هذه» على النحو التالي:
«ان كل زيادة في قوة العمل الانتاجية –في ظل المجتمع الرأسمالي- تنطوي على «تحرير» لعدد مقابل من العمال، المضطرين للسعي وراء مهنة أخرى. وبما ان هذا يجري في كافة فروع الانتاج وتشمل عملية «التحرير» هذه كامل المجتمع الرأسمالي، فلا يبقى أمامهم إلا الالتفات إلى وسائل الانتاج التي لم يُحرموا منها بعد، اي الأرض» (صفحة 126)… «ان فلاحينا لم يحرموا من الأرض، ولهذا السبب فإنهم يتجهون بجهودهم نحوها. وعندما يخسرون عملهم في العمل، او يضطرون للتخلي عن أعمالهم المنزلية الإضافية، فلن يجدوا من سبيل غير تكثيف استثمار الارض. وتشير كافة احصائيات الزييمستوفات إلى أن المساحة المزروعة آخذة بالتوسع…» (صفحة 128).
وكما هو واضح، فالسيد دانيالسون يعرف عن نوع غريب من الرسالة لم يسبق له مثيل اينما كان ولم يخطر ببال اي عالم اقتصاد من قبل. فرأسمالية السيد دانيالسون لا تحوّل السكان من الزراعة إلى الصناعة، ولا هي تقسِّم الريفيين إلى طبقات متناحرة. بل بالعكس تماما. فهذه الرأسمالية «تحرر» العمال من الصناعة فلا يبقى «لهم» ما يفعلوه سوى العودة للأرض، ذلك «ان فلاحينا لم يُحرموا من الأرض»!! وفي اساس هذه النظرية، التي تقوم اصلا على «اعادة توزيع» لكافة عمليات التطور الرأسمالي في فوضى شاعرية، تكمن الحِيَل الألمعية للشعبويين التي سبق لنا تفحصها بالتفصيل: انهم يخلطون البرجوازية الفلاحية مع البروليتاريا الزراعية، ويتجاهلون نمو الزراعة التجارية، ويخترعون القصص عن «صناعات يدوية شعبية» معزولة عن «الصناعة المعملية الرأسمالية» بدلا من ان يحللوا الاشكال المتعاقبة والتجليات المتنوعة للرأسمالية في الصناعة.
في افصل الاول من هذا الكتاب اشرنا إلى الخطأ الذي تنطوي عليه النظرية التي تربط مسألة السوق الخارجية للرأسمالية بتحقق المنتوج. ان حاجة الرأسمالية إلى سوق خارجية لا يمكن، بحال من الأحوال، تفسيرها باستحالة تحقق المنتوج في السوق الداخلية، وإنما تلقى تفسيرها بكون الرأسمالية لا تستطيع الاستمرار في تكرار عمليات الانتاج اياها بالوتيرة السابقة، في ظل ظروف لا تحول ولا تزول (كما كانت الحال في الانظمة قبل الرأسمالية)، وبكونها تؤدي حكما الى نمو غير محدود للإنتاج بما يفيض عن الحدود القديمة الضيقة للوحدات الاقتصادية السابقة. وبسبب من التفاوت في التطور الكامن في الرأسمالية، فان فرعا من الانتاج يتفوق على الآخرين ويسعى لتجاوز حدود الميدان السابق للعلاقات الاقتصادية. لنأخذ مثلا صناعة النسيج في مطلع فترة ما بعد الاصلاح. بسبب من كون هذا الفرع متقدما في تطوره الرأسمالي (حيث أخذت المانيفاتورة تنتقل إلى الصناعة المعملية) فقد سيطر على السوق في روسيا الوسطى سيطرة تامة. غير ان المعامل الكبيرة، المتسارعة النمو، لم تعد تكتفي بالأحجام السابقة للسوق، فراحت تسعى إلى سوق في مكان آخر، بين السكان الجدد الذين يستعمرون نوفوروسيا، المنطقة الجنوبية الشرقية عبر الفولغا، شمال القفقاس، ثم سيبيريا، الخ. ان الجهود التي تبذلها المعامل الكبيرة لتجاوز حدود الاسواق القديمة امر لا شك فيه. فهل يعني ذلك ان المساحات التي كانت تغطيها الاسواق القديمة سابقا لم يعد بمقدورها، عموما، استهلاك كمية أكبر من منتجات صناعة النسيج؟ هل يعني، مثلا، ان المقاطعات الصناعية والمقاطعات الزراعية الوسطى لا تستطيع، بشكل عام، استيعاب كمية اكبر من السلع؟ لا، ليس يعني الامر ذاك. نعلم ان تمايز الفلاحين، ونمو الزراعة السوقية، وتزايد السكان الصناعيين أدت وتؤدي كلها إلى توسيع السوق المحلية في هذه المنطقة القديمة. على ان ثمة عدة عوامل تعيق هذا التوسع للسوق المحلية (في مقدمتها المحافظة على مؤسسات بالية تعرقل تطور الرأسمالية الزراعية) وبالتأكيد فان اصحاب المصانع لن ينتظروا حتى يؤدي التطور الرأسمالية لسائر فروع الاقتصاد الوطني الى لحاقها بصناعة النسيج. فأصحاب المعامل يريدون سوقا فورا، وإذا كان تخلف الفروع الاخرى من الاقتصاد الوطني تضيِّق على السوق في المنطقة القديمة، فإنهم سوف يسعون وراء سوق في منطقة أخرى، او في بلدان أخرى، او في مستعمرات البلد القديم.
ما هي المستعمرة بالمعنى الاقتصادي-السياسي؟ كما ورد أعلاه، فان السمات الاساسية لهذا المفهوم عند ماركس هي التالية: 1-وجود أراض حرة غير مشغولة بمتناول المستوطين، 2-وجود قسمة مستقرة للعمل على الصعيد العالمي، اي وجود سوق عالمية، تستطيع المستعمرات بفضلها التخصص في الانتاج الكبير للمنتجات الزراعية، لتحصل في مقابلها على منتوجات صناعية جاهزة، «التي كانت ستضطر إلى انتاجها هي بنفسها في ظروف اخرى». وقد اشرنا في مكان آخر إلى كون المناطق الحدودية الجنوبية والشرقية لروسيا الأوروبية، التي جرى استيطانها في مرحلة ما بعد الإصلاح، تحمل السمات المميزة المذكورة وتشكل مستعمرات روسيا الاوروبية الوسطى، بالمعنى الاقتصادي للكلمة. على ان مصطلح «مستعمرة» اشد انطباقا على الاطراف الاخرى كالقفقاس مثلا، التي جرى «إخضاعها» اقتصاديا من قبل روسيا بعد فترة طويلة من اخضاعها السياسي، رغم ان الاخضاع الاقتصادي لم يكتمل إلى يومنا هذا. وقد شهدت فترة ما بعد الاصلاح استعمارا كثيفا للقفقاس، اي استصلاحا واسع النطاق للأراضي (في القفقاس الشمالية خصوصا) على يد مستعمرين ينتجون القمح والتبغ، الخ. للسوق، ويجذبون جماهير غفيرة من العمال الزراعيين المأجورين من روسيا. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فانه يجري تصفية الصناعات اليدوية المحلية القديمة، الآخذة بالانهيار في وجه منافسة السلع الآتية من موسكو. فهناك تراجع في صناعة الاسلحة القديمة بسبب منافسة الاسلحة المستوردة من تولا وبلجيكا، وتراجع في الصناعات الحديدية اليدوية بسبب منافسة المنتجات الروسية المستوردة، كما هو الحال بالنسبة للتصنيع اليدوي للنحاس، والذهب والفضة، والطين، والدهونات السوداء، والجلد، الخ. ذلك ان معامل روسيا تنتج مثل هذه المنتجات بأسعار أرخص، وتمد القفقاس بمنتجاتها. وثمة تراجع ايضا في صناعة أكواب الشراب مع تقهقر النظام الاقطاعي في جورجيا والاختفاء المتسارع لاحتفالاتها المشهودة، وثمة ايضا تراجع في صناعة أغطية الراس بسبب استبدال الازياء الآسيوية بالأزياء الاوروبية، وتراجع في انتاج قُرَب النبيذ والأباريق للنبيذ المحلي الذي انزل إلى السوق الآن لأول مرة (مما يؤدي إلى نشوء صناعة البراميل) واستهوى بدوره السوق الروسية. ان الرأسمالية الروسية تجذب القفقاس إلى دائرة التداول البضاعي العالمي، فتمحو مميزاتها المحلية –اي بقايا عزلتها البطريركية القديمة- وتفور لنفسها سوقا لتصريف منتجات مصانعها. ان بلدا شحيح السكان في مطلع فترة ما بعد الإصلاح، او بالأحرى يسكنه جبيلون يعيشون خارج الاقتصاد العالمي لا بل خارج التاريخ، آخذ في التحول إلى ارض لصناعيي النفط، وتجاوز النبيذ، وكبار مزارعي الحنطة والتبغ، وها هو السيد كوبون [18] يعرّي الجبلي الفخور، بلا رحمة، من زيِّه القومي الرائع ليلبسه ثوب الخدم الاوروبيين. ولقد ترافقت عملية الاستعمار السريع للقفقاس والنمو السريع لسكانها الزراعيين مع عملية اخرى (حجبها هذا النمو) هي عملية تحوّل السكان من الزراعة إلى الصناعة. فقد ازداد عدد سكان القفقاس من 350 الف عام 1863 إلى حوالي 900 ألف عام 1897 (ازداد عدد اجمالي السكان بين 1851 و1897 بـ 90 بالمئة). ولا حاجة للإضافة ان كلا من آسيا الوسطى وسيبيريا عرف، ولا يزال، عملية مماثلة.
وهكذا يبدر سؤال بديهي: اين نرسم الحد الفاصل بين السوق الداخلية والسوق الخارجية؟ ان الاكتفاء بالحدود السياسية للدولة حل ميكانيكي –وهل تراه يشكل حلا فعليا؟ فاذا كانت آسيا الوسطى هي السوق الداخلية وإيران السوق الخارجية، فأين نصنف خيفا وبوخارا؟ واذا كانت سيبيريا السوق الداخلية والصين السوق الخارجية، إلى اية فئة تنتمي منشوريا؟ ليست هذه الاسئلة عظيمة الاهمية. فالمهم ان الرأسمالية لا توجد وتتطور بدون التوسيع المستمر لرقعة سيطرتها، بدون استعمار بلدان جديدة واجتذاب البلدان غير الرأسمالية القديمة إلى دوامة الاقتصاد العالمي. وان هذه السمة للرأسمالية كانت، ولا تزال، تتجلى بقوة عظيمة في روسيا بعد الاصلاح.
من هنا، فان لعملية تكوّن سوق للرأسمالية وجهين، تحديدا تطور الرأسمالية في العمق، اي التطور المتسارع للزراعة والصناعة الرأسماليتين في رقعة معينة هي رقعة محدودة ومقفلة –والتطور الافقي لرأسمالية، اي اتساع نطاق الهيمنة الرأسمالية إلى رقعة جديدة. بمقتضى تصميم الكتاب الحالي، قصرنا جهدنا، كليا تقريبا، على الوجه الاول للعملية، ولهذا السبب بالذات فمن الضروري ان نشدد هنا على ان وجهها الآخر عظيم الاهمية. ان اي طموح لدراسة كاملة لعملية استعمار المناطق الحدودية وتوسع الحدود الروسية، من منظار التطور الرأسمالي، يتطلب كتابا خاصا. يكفي ان نشير هنا إلى أن لروسيا موقعا متميزا بالمقارنة مع سائر الاقطار الرأسمالية، نظرا لوفرة الاراضي الحرة القابلة للاستعمار في مناطقها الحدودية. تعرف روسيا الاوروبية مناطق حدودية لا تزال ضعيفة الارتباط اقتصاديا بروسيا الوسطى، بسبب بعدها النائي وسوء وسائط النقل، ناهيك عن حال روسيا الآسيوية. لنأخذ مثلا مقاطعة اركنجل في اقصى الشمال، حيث المساحات الشاسعة من الأرض والموارد الطبيعية لا تزال تستثمر على نطاق جد ضيق. وكان احد المنتجات المحلية الرئيسية، الاخشاب، يصدّر أساسا إلى انكلترا، حتى الفترة الأخيرة. ولذا، فان ذلك القسم من روسيا الاوروبية كان، من هذا المنظار، سوقا خارجية لبريطانيا دون أن يكون سوقا داخلية لروسيا. بالطبع كان ارباب العمل الروس يحسدون البريطانيين، وهما هم الآن، بعد وصول خط سكك الحديد إلى اركنجل، مبتهجون بالآفاق التي توفرها «الروح المعنوية العالية والنشاط الاقتصادي في مختلف فروع الصناعة في المنطقة».
لا لنا، ختاما، من استخلاص النتائج حول مسألة باتت معروفة في ادبياتنا بـ«رسالة» الرأسمالية، اي دورها التاريخي في تطور روسيا الاقتصادي. ان الاعتراف بتقدمية هذا الدور متلائم كليا (كما حاولنا ان نبيِّن تفصيليا في كل مرحلة من عرضنا للمعطيات والوقائع) مع الاعتراف الكامل بالجوانب السلبية والمظلمة من النظام الرأسمالي، ومع الاعتراف الكامل بالتناقضات الاجتماعية الشاملة والعميقة التي تخترم الرأسمالية حكما، والتي تثبت الطابع الانتقالي تاريخيا لهذا النظام الاقتصادي. ان الشعبويين هم الذين لا يوفرون اي جهد لإثبات ان الاعتراف بالطابع التقدمي تاريخيا للرأسمالية هو بمثابة التبرير للرأسمالية –وهم الذين يخطئون إذ يقللون من شأن (وأحيانا يتجاهلون) أعمق التناقضات في جسم الرأسمالية الروسية، ويتغافلون عن تمايز الفلاحين، والطابع الرأسمالي لتطور زراعتنا، ونشوء طبقة من العمال المأجورين المحاصصين في الصناعة والزراعة، ويقفزون ببساطة فوق الهيمنة الكاملة لأسوأ اشكال الرأسمالية وأشدها انحطاطا في الصناعات اليدوية الشهيرة.
ويمكن اختصار الدور التقدمي تاريخيا للرأسمالية في مقولتين: زيادة القوى الانتاجية للعمل الاجتماعي، وتجميع هذا العمل. على ان هاتين الواقعتين تتجليان بعمليات شديدة التنوع في فروع الاقتصاد الوطني المختلفة.
ان تطور القوى الانتاجية للعمل الاجتماعي لا يظهر بوضوح حقيقي إلا في مرحلة الصناعة الآلية الكبيرة. وإلى حين بلوغ التطور تلك المرحلة الارقى للرأسمالية، كان لا يزال هناك صناعة يدوية وتقنية بدائية، تتطوران بعفوية كاملة وببطء شديد. ومن هذا المنظار تختلف فترة ما بعد الاصلاح اختلافا جذريا عن الفترات السابقة في التاريخ الروسي. ان روسيا المحراث الخشبي والمِدرس اليدوي، والطاحونة المائية والنول اليدوي، آخذة في التحول إلى روسيا المحراث الحديدي والآلة الدرّاسة والطاحونة البخارية والنول الآلي. كذلك يعرف كل فرع في الاقتصاد الوطني تهيمن عليه الرأسمالية تحولا مماثلا وكثيفا في مجال التقنية. ثم ان طبيعة الرأسمالية نفسها تقضي بأن تتم هذه العملية وسط الكثير من التفاوت والاختلال: فترات البحبوحة تعقب فترات الأزمة، وتطور صناعة ما يؤدي إلى انهيار أخرى، وهنا تقدم في جانب من الزراعة في منطقة معينة وفي جانب آخر في منطقة أخرى، وإذا بنمو التجارة والصناعة يفوق نمو الزراعة، الخ. ان العدد الاكبر من الاخطاء التي يرتكبها الكتَّاب الشعبويون ينجم عن محاولاتهم الرامية إلى اثبات ان هذا التطور المختل، التشنجي المحموم ليس تطورا!
وأما السمة الأخرى لتطوير الرأسمالية لقوى الانتاج الاجتماعية فهي أن نمو وسائل الانتاج (الاستهلاك الانتاجي) يفوق بكثير نمو الاستهلاك الشخصي. ولقد اشرنا في اكثر من مناسبة إلى كيفية تجلي ذلك في الزراعة كما في الصناعة. وتنجم هذه السمة عن القوانين العامة لتحقق المنتوج في المجتمع الرأسمالي، وهي متطابقة كليا مع الطبيعة التناحرية لذاك المجتمع.
ومن جهة ثانية، فان تجميع الرأسمالية للعمل يتجلى في العمليات التالية:
أولا، ان مجرد نمو الانتاج البضاعي يقضي على تشتت الوحدات الاقتصادية الصغيرة التي يتميز بها الاقتصاد الطبيعي، ويوحد الاسواق المحلية الصغيرة في سوق داخلية (ثم عالمية) ضخمة واحدة. ويتحول الانتاج من اجل المنتج نفسه إلى انتاج من اجل المجتمع بأسره، ويتزايد تطور الرأسمالية، تتزايد حدة التناقض بين الطابع الاجتماعي للإنتاج والطابع الفردي للاستحواذ.
ثانيا، تستبدل الرأسمالية الانتاج المبعثر السابق بتمركز لم يسبق له مثيل في الزراعة كما في الصناعة. ذلك هو التجلي الخارق والأكثر بروزا، ان لم يكن الوحيد، من تجليات طبيعة الرأسمالية قيد البحث.
ثالثا، تقضي الرأسمالية على اشكال التبعية الشخصية التي كانت تشكل مقومة عضوية من مقومات الانظمة الاقتصادية السابقة. ان الطابع التقدمي للرأسمالية في روسيا شديد الوضوح، من هذا المنظار، لان التبعية الشخصية للمنتج كانت موجودة في بلدنا (وهي مستمرة جزئيا إلى يومنا هذا) ليس في الزراعة وحسب، بل وأيضا في المانيفاتورة («مصانع» تستخدم عمل الاقنان) في التنجيم والتعدين، في صناعة الصيد، الخ. وبالمقارنة مع عمل الفلاح التابع أو المقيَّد، فان عمل العامل المأجور هو عمل تقدمي أينما كان في فروع الاقتصاد الوطني.
رابعا، ان الرأسمالية تولِّد بالضرورة حراكية بين السكان، وهذا امر تستغني عنه الأنظمة السابقة للاقتصاد الاجتماعي لا بل هو مستحيل التحقيق على نطاق واسع في ظلها.
خامسا، ان الرأسمالية تؤدي إلى تخفيض نسبة السكان العاملين في الزراعة (حيث تسود دائما الاشكال الأشد تخلفا للعلاقات الاجتماعية والاقتصادية) وإلى زيادة عدد المراكز الصناعية الكبيرة.
سادسا، ان المجتمع الرأسمالي يزيد من حاجة السكان للاجتماع، للتنظيم، ويمحض هذه التنظيمات طابعا مختلفا عن طابعها في الازمنة السابقة. والرأسمالية إذ تدمّر التنظيمات الضيقة المحلية والفئوية للمجتمع القرن أوسطي، وإذ تطلق المنافسة الحادة، انما تؤدي أيضا إلى انشطار المجتمع إلى تجمعات كبيرة تحتل مواقع مختلفة في الانتاج، وتوفر الحوافز الضخمة للتنظيم داخل كل تجمع من هذه التجمعات.
سابعا، ان كل هذه التغيرات التي تحدثها الرأسمالية في النظام الاقتصادي القديم تؤدي ايضا وبالضرورة إلى تغيير عقلية السكان. ان الطابع الشخصي للتطور الاقتصادي، والتحول السريع لأساليب الانتاج والتمركز الكثيف للإنتاج، واختفاء كافة اشكال التبعية الشخصية والعشائرية في العلاقات البشرية، وحراكية السكان، وتأثير المراكز الصناعية الكبيرة، الخ. –كل هذه لا يمكنها إلا أن تؤدي إلى تغير عميق في طبيعة المنتجين نفسها، وقد تسنَّى لنا الاطلاع على ملاحظات البحاثة الروس بهذا الصدد.
وإذ نلتفت إلى الاقتصاديات الشعبوية، التي اضطررنا للسجال معها باستمرار، يمكننا تلخيص اسباب خلافنا معها على النحو التالي:
أولا، لا نستطيع إلا نعتبر ان مفهوم الشعبويين لمسار التطور الرأسمالي نفسه في روسيا، ومفهومهم لنظام العلاقات الاقتصادية السابقة على الرأسمالية في روسيا، هما مفهومان مغلوطان تماما، ولعل الأهم، من وجهة نظرنا، هو تجاهل الشعبويين للتناقضات الرأسمالية في بنية الاقتصادية الفلاحي (الزراعي والصناعي).
بالإضافة لذلك، فان بطء أو سرعة تطور الرأسمالية في روسيا يتوقف كليا على المقياس الذي به نقيس هذا التطور. فإذا قارنّا الفترة قبل الرأسمالية في روسيا بالفترة الرأسمالية (وهي المقارنة المطلوبة للتوصل إلى الحل الصحيح للمسألة)، يجب القول ان تطور الاقتصاد الاجتماعي في ظل الرأسمالية سريع جدا. أما إذا قارنَّا وتيرة التطور الحالية بالتي يمكن تحقيقها بالمستوى العام الراهن للتقنية والثقافة، فان المعدل الالي لتطور الرأسمالية في روسيا يجب اعتباره بطيئا. ولا يمكنه إلا أن يكون كذلك، لأنه ما من بلد عرف هذه الكثرة من بقايا المؤسسات البالية المتنافية مع الرأسمالية، والمعرقلة لتطورها، والمؤدية إلى تدهور غير معقول لحالة المنتجين الذين «لا يعانون من تطور الانتاج الرأسمالي وحسب وإنما من عدم اكتمال هذا التطور أيضا» [19] .
وأخيرا، فلعل أعمق سبب للخلاف مع الشعبويين هو التباين في نظراتنا الأساسية للعمليات الاقتصادية والاجتماعية. فعند دراسة هذه الأخيرة، غالبا ما يستخلص الشعبوي الخلاصات التي تشير إلى عبرة أخلاقية معينة، فهو لا ينظر إلى مختلف فئات المساهمين في الانتاج بصفتهم مبدعين لأشكال مختلفة من الحياة، ولا هو يسعى إلى تقديم اجمالي العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بصفتها العلاقات المتبادلة بين هذه الفئات نفسها، التي تتابين في مصالح وفي أدوارها التاريخية… وإذا كان كاتب هذه السطور قد نجح في تقديم بعض المواد التي تساعد على توضيح هذه المسائل، فانه يعتبر ان جهوده لم تذهب سدى!
[1]. -«اللاست» مقياس للوزن يستخدم في المراكب التجارية الروسية وهو يساوي 2 طن. –المترجم-
[2].-الجدول الاحصائي الذي يقدمه لينين يقسم مقاطعات روسيا الاوروبية إلى المجموعات التالية: 1-موسكو وسان بطرسبرغ، 2-المقاطعات الصناعية وغير الزراعية، 3-المقاطعات الزراعية الوسطى، مالوروسيا والفولغا الوسطى، 4-نوفوروسيا، الفولغا السفلى، والمقاطعات الشرقية، 5-البلطيق، 6-المقاطعات الغربية، 7-المقاطعات الجنوبية الغربية، الأورال 9-اقصى الشمال –المترجم-.
[3].-محذوف لعدم إثقال النص –المترجم-.
[4].-يقدر لنين مجموع العاملين في المؤسسات الصناعية المختلفة التي تستخدم العمال المهاجرين بخمسة إلى ستة ملايين نسمة –المترجم-.
[5].-بلد النساء، صفحات 26-27، 15.
[6].-المصدر ذاته، صفحة 27.
[7].-المصدر ذاته، صفحة 88.
[8].- Yuridichesky Vesihik يورديتشفسكي فيتسنيك، 1890، العدد 9، صفحة 142.
[9].-المصدر ذاته، الفصل 4، القسم 4، صفحتا 270-271.
[10].-المسح الاحصائي لمقاطعة كالوغا للعام 1896، الجزء 2، صفحة 41.
[11].-المصدر السابق، صفحة 40.
[12].-«تأثير الصناعات التي تستخدم العمال المهاجرين…»، صفحة 33.
[13].- يورديتشفسكي فيتسنيك، 1890، العدد 9، صفحة 138.
[14].- Ruskaya Mysl روسكايا ميزل، 1887، العدد 9، صفحة 163. وهي مطبوعة ليبرالية –المترجم-.
[15].-فئة الفلاح بلا احصنة والفلاح ذي الحصان الواحد –المترجم-.
[16].-نوفوي سلوفا، 1896، العدد 6، صفحة 21.
[17].-باقي اقسام الأجر، غير النقدية، هي طبعا الاقسام العينية، اي الاجور المدفوعة على شكل محاصيل، مواد غذائية، مواد أولية، منتجات،الخ.
[18].-تعبير مستخدم في روسيا في اواخر القرن التاسع عشر للإشارة إلى رأس المال والرأسماليين –المترجم-
[19].-كارل ماركس، رأس المال، الكتاب الأول، موسكو 1958، صفحة 9.