السوق مقولة من مقولات الاقتصادي البضاعي الذي يتحول إلى اقتصاد رأسمالي خلال تطوره. ولا يحقق الاقتصاد البضاعي سيطرته الكاملة الشاملة إلا في ظل الاقتصاد الرأسمالي. لذا، فإن دراسة الموضوعات النظرية الأساسية المتعلقة بالسوق الداخلية تتطلب البدء بالاقتصاد البضاعي البسيط، ومتابعة تحوله التدريجي إلى اقتصاد رأسمالي.
إن قسمة العمل الاجتماعية تكمن في اساس كل اقتصاد بضاعي.
تنفصل الصناعة الانتاجية عن صناعة استخراج المواد الأولية، ثم تنقسم كل منهما إلى صناعات فرعية متنوعة ومتعددة، تنتج منتجات معينة بوصفها سلعا معدة للبيع، ويجري تبادل هذه المنتجات لقاء منتجات باقي الصناعات.
وهكذا يؤدي تطور الاقتصاد البضاعي إلى تزايد عدد الفروع الصناعية المنفصلة والمستقلة. ويتجه هذا التطور نحو انفراد فرع خاص من الصناعة بإنتاج منتوج واحد، أو حتى جزء من هذا المنتوج، لا بل يصل إلى درجة التخصص في عملية واحدة من مجمل عمليات اعداد منتوج واحد للاستهلاك.
في ظل الاقتصاد الطبيعي، كان المجتمع يتألف من مجموعة من الوحدات الاقتصادية المتاجنسة (اسر فلاحية ذات تركيب عشائري-بطريكي، تجمعات قروية بدائية، مزارع اقطاعية). وكانت كل واحدة من هذه الوحدات تتعاطى كافة اشكال النشاط الاقتصادي، من استخراج المواد الأولية المختلفة إلى وضع اللمسات الاخيرة على المنتوج قبيل استهلاكه. اما في ظل الاقتصاد البضاعي، فتظهر وحدات اقتصادية متغايرة، ويتكاثر عدد الفروع الاقتصادية المستقلة، بينما يتقلص عدد الوحدات الاقتصادية التي تتعاطى وظيفة اقتصادية واحدة وثابتة. ويشكل هذا النمو المطرد لقسمة العمل الاجتماعية العامل الرئيسي في مسار تكوين الرأسمالية لسوقها الداخلية.
يقول ماركس:
وغني عن القول أن انفصال الصناعة الانتاجية عن صناعة استخراج المواد الأولية، وانفصال الصناعة عموما عن الزراعة، يحولان الزراعة نفسها إلى صناعة، اي إلى فرع اقتصادي ينتج السلع. والواقع أن عملية التخصص هذه، التي تحقق استقلال مختلف منوعات الانتاج بعضها عن بعض، تظهر ايضا في الزراعة. فتولد المناطق الزراعية المتخصصة (ومعها الانظمة الزراعة المتخصصة هي ايضا)، ولا تؤدي إلى نشوء التبادل بين المنتجات الزراعية والمنتجات الصناعية وحسب، بل تؤدي إلى التبادل بين المنتجات الزراعية نفسها ايضا. ثم ان عملية التخصص هذه في الزراعة التجارية (والرأسمالية) تتجلى في جميع الاقطار الرأسمالية، وعلى صعيد قسمة العمل الدولية. وينطبق ذلك ايضا على روسيا في حقبة «ما بعد الإصلاح، كما سوف نبين بالتفصيل لاحقا.
وهكذا، فان قسمة العمل الاجتماعية هي الاساس في كل عملية تحول الاقتصاد البضاعي إلى اقتصاد رأسمالي.
ولذا، فمن الطبيعي أن يكون المنظّرون الشعبويون –الذين يعتبرون هذه العملية من نتاج اجراءات اصطناعية، او من نتاج «الانحراف عن الصراط المستقيم» وما شابه- قد حاولوا التعتيم على واقع قسمة العمل الاجتماعية في روسيا، أو هم، على الأقل، حاولوا التقليل من اهميتها.
ففي مقالة بعنوان «قسمة العمل الزراعية والصناعية في روسيا» (فيستنيك ييفروبي [الرسول الأوروبي]، 1884، العدد 7) ينكر السيد فورونتسوف سيادة مبدأ قسمة العمل الاجتماعية في روسيا» (ص 347) ويعلن ان قسمة العمل الاجتماعية في بلدنا «لم تولد من اعماق حياة الشعب، وإنما حاولت أن تفرض نفسها عليها من الخارج» (ص 338).
اما السيد دانيالسون فانه يحاجج، في كتابه «مقالات» حول زيادة كمية الحبوب المعروضة للبيع، ويقول: «قد تعني هذه الظاهرة توزيع محصول الحبوب بعدالة أكبر بين انحاء البلد المختلفة، بحيث يصبح بمقدور الصياد في آركنجيل ان يستملك حبوب سامارا في الوقت الذي يضيف فيه المزارع في سامارا سمك «اركنجل» إلى وجبة طعامه. والحقيقة أن لا هذا ولا ذاك يحصل فعلا.» («مقالات عن اقتصادنا الاجتماعي بعد الإصلاح»، سان بطرسبرغ، 1893، ص 37).
وهكذا، يجري الجزم بفظاظة بأنه لا توجد قسمة عمل اجتماعية في روسيا، دون الاتكال إلى اية معطيات، وعلى العكس مما تؤكده كافة الوقائع المتوافرة. والواقع ان النظرية الشعبوية حول «اصطناعية» الرأسمالية في روسيا ما كان بإمكانها ان تقوم إلا برفض حجر الزاوية في كل اقتصاد بضاعي –أي قسمة العمل الاجتماعية- اي باعتبار هذه العملية عملية «اصطناعية».
نظرا لأن الحقبة السابقة على ظهور الاقتصاد البضاعي تشهد اندماج الصناعة الانتاجية مع صناعة استخراج المواد الأولية، مثلما تشهد غلبة الزراعة على الصناعة، فان تطور الاقتصاد البضاعي يعني انفصال فروع صناعية متتالية عن الزراعة. والواقع ان بلدا لم يحرز فيه الاقتصاد البضاعي تقدما ملحوظا (أو ينعدم فيه الاقتصاد البضاعي أصلا) هو بلد يعيش جميع سكانه تقريبا على الزراعة. ولكن ذلك لا يعني ان السكان يتعاطون الزراعة وحدها، ولا شيء سواها. بل يعني فقط ان السكان العاملين في الزراعة يتولون ايضا تصنيع المنتجات الزراعية، وان التبادل وقمة العمل الاجتماعية معدومان تقريبا.
وبالتالي، فان تطور الاقتصاد البضاعي يعني بالضرورة انفصال عدد متزايد من السكان عن الزراعة، اي زيادة عدد السكان العاملين في الصناعة على حساب العاملين في الزراعة:
وهكذا، فلا يسعنا ان نتصور وجود الرأسمالية بدون نمو في عدد السكان العاملين في التجارة والصناعة على حساب العاملين في الزراعة. وكلنا يعلم ان هذه الظاهرة تبرز بأوضح معالمها في كل البلدان الرأسمالية دون استثناء. ومن البديهي القول ان هذه الظاهرة بالغة الأهمية بالنسبة لمسألة السوق الداخلية، لأنها مرتبطة اوثق الارتباط بتطور الصناعة والزراعة في آن معا. والواقع ان نشوء وتكاثر المراكز الصناعية وانجذاب السكان اليها هما من التطورات العميقة التأثير في حياة الريف بكافة جوانبها، والتي تؤدي بالضرورة إلى نشوء الزراعة التجارية والرأسمالية.
والملفت للنظر حقا ان دعاة الاقتصاد الشعبوي يتجاهلون هذا القانون تجاهلا كاملا في نقاشاتهم النظرية البحتة، كما في نقاشاتهم حول الرأسمالية في روسيا (وسوف ننظر مطولا في التعبيرات العينية عن هذا القانون في الفصل الثامن من هذا الكتاب). ان نظريات السيدين فورونتسوف ودانيالسون حول السوق الداخلية للراسمالية تتجاهل تفصيلا «صغيرا»، ألا وهو تحول السكان من الزراعة إلى إلى الصناعة، وأثر هذا التحول على الزراعة نفسها.
لقد اقتصرت معالجتنا حتى الآن على الانتاج البضاعي البسيط. ولا بد من الانتقال الآن إلى الانتاج الرأسمالي، اي لا بد من الافتراض اننا لم نعد امام منتجي السلع البسطاء، وإنما بتنا أمام مالك وسائل الانتاج من جهة، والعمال المأجورين الذين يبيعونه قوة عملهم، من جهة ثانية.
ان تحول المنتج الصغير إلى عامل ماجور يعنيي انه بات محروما من ملكية وسائل الانتاج-الأرض، الأدوات، المحترَف، الخ- أي انه «مفقر»، «منكوب». وهناك وجهة نظر تقول ان هذا الانهيار «يخفض القدرة الشرائية لدى السكان»، ويؤدي بالتالي إلى «التقليص من رقعة السوق الداخلية» للرأسمالية (السيد دانيالسون ويشاركه السيد فورونتسوف الرأي في معظم كتاباته). لسنا بصدد معالجة المعطيات الواقعية المتعلقة بهذه العملية في روسيا. فهذا ما سوف نضلطع به في فصول لاحقة.
فالمسألة مطروحة هنا على صعيد نظري بحت. أي انها تتعلق بالإنتاج البضاعي عامة، إبان تحوله إلى انتاج رأسمالي. ويطرح الكاتبان المسألة على صعيدها النظري أيضا، اي انهما يستدلان على تقلص السوق الداخلية من خراب المنتجين الصغار. وهذا رأي مغلوط جملة وتفصيلا. وهو لا يجد تفسير استمراره العنيد في كتابات اقتصاديينا لا في استمرار التسربات الرومانطيقية لدى الشعبويين. ويتناسى اصحاب هذا الرأي ان «تحرير» قسم من المنتجين من ملكية وسائل الانتاج يعني بالضرورة انتقال وسائل الانتاج هذه إلى أيد أخرى وتحولها إلى رأسمال. وهذا يعني بالتالي أن المالكين الجدد لوسائل الانتاج باتوا ينتجون السلع فيما كان المنتجون المباشرون سابقا ينتجون المنتجات المعدة لاستهلاكهم المباشر، اي ان المالكين الجدد يساهمون في توسيع رقعة السوق الداخلية، وليس العكس. وأخيرا، فان «تحرير» قسم من المنتجين من ملكية وسائل الانتاج يعني ان المالكين الجدد، في زيادتهم للإنتاج، انما يزيدون الطلب في السوق على الأدوات الجديدة والمواد الأولية ووسائط النقل وسواها، كما يزيدون الطلب على السلع الاستهلاكية (لأن نمو ثروة المالكين يفترض بالضرورة زيادة استهلاكهم). ويتناسى اصحاب الرأي المثبت اعلاه ايضا أن السوق لا تأبه لخير المنتج، وإنما الذي يعنيها، اولا بأول، هو مدى ما يملكه هذا المنتج من مال. والواقع ان تدهور مستوى الفلاح البطريريكي (العشائري) [2] - وهو الذي كان يعيش سابقا على الاقتصاد الطبيعي- لا يتعارض اطلاقا مع تزايد كمية المال المتوافرة لديه. فبقدر ما تزداد احواله ترديا، تزداد حاجته إلى بيع قوة عمله، وبذاك القدر ايضا تتعاظم تلك الحصة من موارد عيشه (الشحيحة أصلا) التي يتوجب عليه شراؤها من السوق.
وهكذا، فعلى الصعيد النظري المحض، نرى أن خراب المنتجين الصغار في مجتمع ينمو فيه الاقتصاد البضاعي والرأسمالي، يؤدي إلى نمو السوق الداخلية، لا إلى تقلصها، كما يريد السيدان فورنتسوف ودانيالسون. وإذا كان السيد دانيالسون نفسه –الذ يعلن، انطلاقا من افكاره المسبقة، لا غير، ان خراب المنتجين الروس الصغار يؤدي إلى تقلص السوق الداخلية- لا يتوانى عن الاستشهاد بنصوص ماركس الآنفة الذكر، فانما ذلك يثبت قطعا قدرة هذا المؤلف الفائقة على أن يضحك على نفسه بواسطة استشهادات من كتاب رأس المال!
المسألة التالية في نظرية السوق الداخلية يمكن صياغتها كما يلي: نعلم أن قيمة المنتوج في الانتاج الرأسمال تنقسم إلى ثلاثة أجزاء: (أ) الجزء الأول يحل محل رأس المال الثابت، أي تلك القيمة التي كانت موجودة أصلا (على شكل مواد اولية ومواد ثانوية مساعدة وآلات وأدوات انتاج وما شابه) والتي أعيد انتاجها في قسم من اقسام المنتوج الجاهز، (ب) الجزء الثاني يحل محل راس المال المتغير، أي يغطي أكلاف اعالة العمال، (ج) الجزء الثالث، أخيرا، هو فضل القيمة الذي يستحوذ عليه رب العمل الرأسمالي. واذ طرحنا المسألة من منظار السيدين دانيالسون وفورونتسوف، فإن تحقق أول جزئين (أي ايجاد مقابل لهما في السوق، بيعهما في السوق) لا يثير أية مشكلة. لأن الجزء الأول ينخرط في الانتاج بينما ينخرط الثاني في استهلاك الطبقة العاملة.
ولكن، كيف يتحقق الجزء الثالث؟ كيف يتحقق فضل القيمة؟ اذ لا يعقل أن يستهلكه الرأسماليون كله! هنا يخلص اقتصاديونا إلى ان «المخرج من هذا المأزق»- مأزق تحقق فضل القيمة- هو «السيطرة على الأسواق الخارجية». ويفسر المؤلفان الآنفا الذكر حاجة الرأسمالية إلى أسواق خارجية بالقول ان الرأسماليين لا يستطيعون تحقيق منتجاتهم بوسائل أخرى، ويدّعيان ان السوق الداخلية في روسيا آخذة بالتقلص بسبب خراب الفلاحين واستحالة تحقيق فضل القيمة بدون اللجوء إلى أسواق خارجية. ولما كانت هذه الاسواق مقفلة في وجه بلد فتي سلك متأخرا طريق التطور الرأسمالي، يعلن السيدان دانيالسون وفورونتسوف ان الرأسمالية طفلة وليدة في روسيا، لا يرتكز نموها وتطورها إلى اي أساس فعلي. وهذا زعم يقوم على الافتراضات المسبقة، المغلوطة نظريا أصلا!»
عندما يطرح السيد دانيالسون آراءه حول نظرية التحقق، فانه يفكر طبعا بنظرية ماركس حول الموضوع نفسه (علما بأنه لا يشير، ولو بكلمة واحدة، إلى ماركس في هذا الجزء من مؤلفاته). غير ان يسجل الفشل الذريع في فهم هذه النظرية، ويتعمد تشويهها كليا، كما سنثبت بعد قليل. وهذا ما يفسر لماذا تأتي افكاره مطابقة كليا لأفكار السيد فورونتسوف الذي يستحيل اتهامه بعدم استيعاب نظرية ماركس، لأن مجرد اتهامه بالإلمام بالقضايا النظرية هو ذروة الغبن تجاهه! ويعرض كل من الكاتبين نظرياته وكأنه أول من عالج المسألة وتوصل إلى حلول معينة لها «من تلقاء نفسه». لذا، فهو يتجاهل، بكل بساطة، محاججات الاقتصاديين الكلاسيكيين حول المسألة نفسها، ويكرر الاخطاء القديمة التي دحضها ماركس في الكتاب الثاني من «رأس المال». ويحوِّل كل منهما مسألة تحقق المنتوج إلى مجرد مسألة تحقق فضل القيمة، فيتصور، بالطبع، أن تحقق رأسمال الثابت لا يثير أي اشكال. وينطوي هذا الرأي الساذج على خطأ فادح هو مصدر جميع الاخطاء اللاحقة في نظرية التحقق عند الشعبويين. والحقيقة أن الصعوبة في تفسير التحقق هي بالضبط الصعوبة في تفسير تحقق رأس المال الثابت. فلكي يتحقق رأس المال الثابت، لا بد من اعادته لدورة الإنتاج، وهذا أمر قابل للتطبيق عمليا فقط في حالة ذلك القسم من رأس المال المخصص لإنتاج وسائل الانتاج. اما اذا كان المنتوج الذي يحل محل رأس المال الثابت مكونا من سلع استهلاكية، فانه يتعذر اعادته مباشرة إلى وحدة الإنتاج، ويصبح المطلوب قيام تبادل بين مجال الانتاج الاجتماعي الذي ينتج وسائل الانتاج وبين مجال الانتاج الاجتماعي الذي ينتج وسائل الاستهلاك. هنا تكمن كل صعوبة المسألة، وهي صعوبة يغفلها السادة الاقتصاديون. فالسيد فورونتسوف يعرض المسألة، عموما، وكأن الهدف من الانتاج ليس التراكم وإنما هو الاستهلاك. ويقدم، «حجة عميقة» تقول «انه يتدفق إلى أيدي القلة كمية من الاشياء المادية التي تفيض عن القوة الاستهلاكية للمجتمع المعني بالأمر (كذ!)» «في مرحلة معينة من تطوره» (ص 149)، ويضيف قائلا «ليس اعتدال الصناعيين ولا تقتيرهم هو السبب في فيض المنتجات، وإنما السبب كامن في حدود المجتمع البشري والنقص في مرونته (!!) التي تعجز عن زيادة قوته الاستهلاكية بنسبة نمو فضل القيمة» (ص 161).
ويحاول السيد دانيالسون طرح القضية وكأنه يرفض الاعتراف بأن الاستهلاك هو هدف النتاج الرأسمالي، وكأنه يراعي دور ودلالة وسائل الانتاج فيما يتعلق بقضية التحقق. والحقيقة أنه لا يملك فكرة واضحة اطلاقا عن عملية تداول رأس المال الاجمالي وإعادة إنتاجه، مما يؤدي به للسقوط في شبكة من التناقضات المستعصية.
لن نتوقف هنا لمعالجة هذه التناقضات بالتفصيل… فتلك مهمة نكراء (اضطلع بها جزئيا السيد بولغاكوف في كتابه الأسواق في ظل الإنتاج الرأسمالي، موسكو، 1897، ص 237-245)، انما يكفي ان ننظر في الخلاصة الاخيرة القائلة بأن السيطرة على الأسواق الخارجية هي المخرج من مأزق تحقق فضل القيمة، لإثبات عدالة تقييمنا لحجج السيد دانيالسون. فهذه الخلاصة (والتي هي مجرد تكرار لخلاصة السيد فورونتسوف) تثبت، بما لا يفسح مجالا للشك، انه لا يفقه شيئا من تحقق المنتوج في المجتمع الرأسمالي (أي نظرية السوق الداخلية) كما انه لا يفقه شيئا من دور السوق الخارجية.
وهل توجد ذرة من الحس السليم في هذا الاقحام للسوق الخارجية في مسألة «التحقق»؟ ان مسألة التحقق هي مسألة البحث لكل جزء من المنتوج الرأسمالي عن ذلك الجزء الذي يقابله من المنتوج الذي يحل محله في السوق، أكان ذلك على صعيد القيمة (رأس مال ثابت، رأس مال متغير، فضل القيمة) أم على صعيد الشكل الماد (وسائل إنتاج، مواد استهلاكية، وعلى الاخص الضروريات والكماليات). ومن الواضح انه يجب استبعاد التجارة الخارجية عند بحث هذه المسألة، لأن اقحامها في البحث لا يساعدنا على التقدم قيد شعرة على طريق حل المسألة، لا بل انه يعود بنا أشواطا إلى الوراء، اذ يوسع نطاق المسألة ليشمل عدة بلدان، بعد ان كان محصورا في بلد واحد.
والواقع أن السيد دانيالسون نفسه الذي اكتشف ان التجارة الخارجية هي «المخرج من مأزق» تحق فضل القيمة، يجادل حول الأجور، مثلا، على النحو التالي: اذا اخذنا ذلك الجزء من الناتج السنوي الذي يحصل عليه المنتجون المباشرون –أي العمال- على شكل أجور، «فإن الجزء من المعاش الذي يجري اقتطاعه من التداول يساوي، من حيث القيمة، اجمالي الأجور المدفوعة» (ص 203).
هنا يثور السؤال: كيف يدري هذا العالِم الاقتصادي أن رأسماليي بلد معين سوف ينتجون المعاشات [3] بنفس الكمية ونفس القيمة المطلوبتين لتحقيقها –أي المعاشات- بواسطة الأجور؟ وما الذي يؤكد له انه بالإمكان الاستغناء عن السوق الخارجية في هذا الصدد؟ لا يمكنه أن يعلم سلفا أيا من هذا كله، بالطبع. وكل ما قام به هو مجرد اهمال قضية السوق الخارجية. لأن المهم؟، في معرض مناقشة تحقق رأس المال المتغير، هو استبدال جزء من المنتوج بجزء آخر، وليس على الاطلاق مناقشة، ماذا كانت عملية الاستبدال هذه تتم في بلد واحد أو أكثر.
لكن صاحبنا ينحرف عن هذه الفرضية الأساسية عند بحثه فضل القيمة، وبدلا من ان يساهم في حل المسألة، يهرب منها بالحديث عن السوق الخارجية. ان بيع المنتوج المعين في السوق الخارجية نفسها امر يحتاج إلى تفسير، أي إلى البحث عن مقابل لذلك الجزء من المنتوج الذي تم بيعه، والبحث عن جزء آخر من المنتوج الرأسمالي الذي سيحل محل الأول. لهذا السبب بالذات، يقول ماركس أنه يمكن «إغفال» السوق الخارجية والتجارة الخارجية «اغفالا كليا» عند البحث في مسألة التحقق، لأن «اقحام التجارة الخارجية في تحليل قيمة المنتجات التي يعاد انتاجها سنويا لا يساهم… إلا في المزيد من البلبلة، دون ان يقدم أي عنصر جديد للمسألة، أو اية مساهمة نحو حلها» (رأس المال، المجلد الثاني، ص 469).
أما السيدان فورونتسوف ودانيالسون فكل منهما يتصور انه يقدم تقديرا عميقا لتناقضات الرأسمالية عندما يشير إلى صعوبات تحقق فضل القيمة. والحقيقة انه يقدم تقديرا بالغ السطحية لهذه التناقضات، لأن الذي يتحدث عن «صعوبات» التحقق، وعن الأزمات الناتجة عن هذه الصعوبات، يجب عليه أن يعترف بأن هذه «الصعوبات» ليست ممكنة وحسب، لكنها ضرورية ايضا لكافة أجزاء المنتوج الرأسمالي وليس لفضل القيمة وحده. وتظهر مثل هذه الصعوبات دائما بسبب التفاوت في توزيع فروع الانتاج المختلفة، ليس في مجال تحقق فضل القيمة وحسب، بل وأيضا في مجال تحقق رأس المال المتغير ورأس المال الثابت، وهي تظهر دائما في عملية تحق المنتوج الموجود على شكل مواد استهلاكية او في عملية تحق المنتوج الموجود على شكل وسائل انتاج. فبدون «مصاعب» من هذا النوع، وما تجره هذه «المصاعب» من أزمات، لا يمكن أن يوجد انتاج رأسمالي، أي انتاج يقوم به منتجون معزولون، يقدمون بضائعهم لسوق عالمية يجهلونها.
لكي نفهم نظرية التحقق فهما صحيحا، يجب أن نبدأ بآدام سميث. فهو الذي أرسى أسس النظرية المغلوطة حول هذا الموضوع، والذي ظلت مسيطرة على الاقتصاد السياسي إلى زمن ماركس.
يقسم آدم سميث السلعة إلى عنصرين: رأس المال المتغير (أي «الأجور»، حسب تعبيره هو) وفضل القيمة (ولما كان لا يدمج «الربح» بـ«الريع»، يكون قد انتهى إلى ثلاثة عناصر ثلاثة بدلا من اثنين). كذلك، فهو يقسِّم اجمالي السلع، ا اجمالي الناتج الاجتماعي السنوي، إلى العنصرين اياهما ويحدد لهما موقعهما مباشرة في «مدخول» طبقتي المجتمع- العمال والرأسماليون (أو المتعهدون وملاك الأرض، وحسب تعبيره).
ما هي الحجة التي يبرر فيها آدم سميث اغفاله للعنصر الثالث من عناصر القيمة، اي رأس المال الثابت؟ لم يكن بمقدور سميث أن لا يلاحظ هذا العنصر، لكنه افترض انه يتكون هو ايضا من أجور ومن فضل قيمة. وهو يدافع عن هذا الرأي على النحو التالي:
«يتكون عر الذرّة، مثلا، من جزء يُدفع كريع لمالك الأرض، وجزء آخر يدفع على شكل أجور لإعالة الشغيلة والمواشي المستخدمة في الإنتاج، اما الجزء الثالث فهو يُدفع كربح للمزارع. ويبدو أن سعر الذرة يتكون، عاجلا أم آجلا، من هذه العناصر الثلاثة. وقد يعتقد البعض انه لا بد من عنصر رابع للتعويض عن تجهيزات المزارع، وعن اهتلاك ماشيته او سواها من أدوات الزراعة. لكن الحقيقة ان سعر أي أداة من أدوات الإنتاج، كحصان الفلاحة مثلا، يتكون من العناصر الثلاثة اياها» (أي الريع والربح والأجور) «ومع ان سعر الذرة قد يغطي سعر الحصان مثلا مثلما يغطي إعالته، فان اجمالي السعر لا بد أن ينحلّ عاجلا أم آجلا، إلى العناصر الثلاثة إياها- أي الريع والعمل والربح».
يقول ماركس عن نظرية سميث هذه أنها «مذهلة». «أن الاثبات عنده يتلخص في تكرار المقولة اياها» (رأس المال، المجلد الثاني، ص 366). ان سميث «يفسر الماء، بعد الجهد، بالماء» (رأس المال، المجلد الأول، ص 612). وهو، في قوله أن ثمن أدوات الفلاحة نفسه ينحلّ إلى العناصر الثلاثة إياها، يتناسى أن يضيف: كما ينحل إلى ثمن وسائل الانتاج المستخدمة لانتاج هذه الادوات. ان الخطأ الذي ارتكبه آدم سميث (ومن لحق به من اقتصاديين) في عزل رأس المال المتغير عن ثمن المنتوج، يعود إلى فهم خاطئ للتراكم في النظام الرأسمال، اي لتوسع الإنتاج، لتحوّل فضل القيمة إلى رأس مال. وهنا أيضا، يتغافل آدم سميث عن رأس المال الثابت، مفترضا ان العنصر الجاري مراكمته من فضل القيمة، أي الجزء الذي يجري تحويله إلى رأس مال، قد استهلكه المنتجون المباشرون استهلاكا كاملا، أي أنه قد تحوّل إلى اجور. والحال أن ذلك الجزء المتراكم من فضل القيمة يجري تحويله إلى رأس مال ثابت (أدوات إنتاج، مواد أولية ومواد مساعدة) إضافة إلى تحويله إلى أجور. وينتقد ماركس وجهة نظر سميث هذه (وكذلك وجهات نظر ريكاردو وميل وآخرين) في رأس المال، المجلد الأول (الجزء السابع، «تراكم رأس المال»، الفصل 22 بعنوان «المفهوم المغلوط للاقتصاد السياسي حول اعادة الانتاج على نطاق متوسع باستمرار»). ويقول (في المجلد الأول، ص 612) انه في المجلد الثاني من رأس المال «سوف نكشف كيف أن العقيدة الجامدة لآدم سميث، والتي توارثها كل الذين خلفوه، منعت الاقتصاد السياسي من استيعاب أبسط آليات عملية اعادة الانتاج الاجتماعية». وقد ارتكب آدم سميث هذه الغلطة لأنه خلط بين قيمة المنتوج وبين القيمة الجديدة. فهذه القيمة الاخيرة تنحلّ بالتأكيد إلى رأس مال متغير وفضل قمية، بينما القيمة الأولى تتضمن، بالإضافة لهذا وذاك، رأس المال الثابت. وقد فضح ماركس هذه الغلطة في تحليله للقيمة، عندما ميّز بين العمل المجرد، الذي ينتج قيمة جديدة، والعمل المفيد المحدد، الذي يعيد انتاج القيمة المتوافرة أصلا في شكل جديد، اي في شكل منتوج مفيد.
ان تفسير عملية اعادة الإنتاج وعملية تداول اجمالي رأس المال الاجتماعي مهمة ضرورية بنوع خاص لحسم قضية الدخل الأهلي في المجتمع الرأسمال. وانه لأمر مثير للغاية أن نلاحظ أن آدم سميث، في تعرضه لهذه القضية الأخيرة، لم يعد بإمكانه التشبث بنظريته المغلوطة التي تستثني رأس المال الثابث من الناتج الإجمالي للبلد.
وهكذا يستثنى آدم سميث رأس المال من الناتج الإجمالي للبلد، مؤكدا ان ينحلّ إلى اجور وأرباح وريع، اي الى مدخول (صاف). لكنه، من جهة ثانية، لا يلبث أن يضم رأس المال إلى الدخل الإجمالي للمجتمع، بعد فصله عن المواد الاستهلاكية (=الدخل الصافي). وهذا هو التناقض الذي يقبض ماركس على سميث متلبسا به: كيف يمكن أن يكون ثمة رأس المال في المدخول، إذا كان لا يوجد رأس مال في المنتوج؟ (انظر رأس المال، المجلد الثاني، ص 355). والواقع أن آدم سميث يعترف لاشعوريا بثلاثة عناصر تتكون منها قيمة الناتج الإجمالي: ليس رأس المال المتغير وفضل القيمة وحدها، وإنما أيضا رأس المال الثابت. وفيما بعد، يصطدم آدم سميث بمفارقة بالغة الأهمية، ذات مغزى عميق في نظرية التحق إذ يقول: «يجب ان نستثني، طبعا، كل كلفة صيانة رأس المال الثابت من الدخل الصافي للمجتمع. فلا التجهيزات اللازمة لتعزيز الآلات المفيدة وأدوات العمل والأبنية المدّرة للربح، وما شابه، ولا منتوج العمل الضروري لإنتاج مثل هذه التجهيزات، يمكن اعتبارها جزءا من هذا الدخل الصافي. بالتأكيد، يمكن اعتبار ثمن العمل جزءا من هذا الدخل، ذلك أن العامل قد يودع كل قيمة أجوره في المخزون [الاجتماعي] المعد للاستهلاك المباشر». انما في انواع اخرى من العمل، فان كلا من «ثمن» (العمل) و«منتوج» (العمل) «يودع في هذا المخزون: الثمن يودع في خانة العمال والمنتوج في خانة الآخرين» (آدم سميث، المصدر السابق). هنا نجد ومضة من الاعتراف بضرورة التمييز بين نوعين من العمل: عمل ينتج المواد الاستهلاكية التي تدخل في «المخول الصافي»، وعمل ينتج «آلات مفيدة وأدوات عمل و… أبنية، الخ.»- أي ينتج موادا لا يمكن استخدامها للاستهلاك الشخصي. لسنا نحتاج إلا إلى خطوة واحدة لكي نعترف بان تفسير التحقق يتطلب، حكما، التمييز بين نوعين من الاستهلاك- الاستهلاك الشخصي والاستهلاك الانتاجي (أي الذي يعاد توظيفه في الانتاج).
والحقيقة ان تصحيح ماركس لهذين الخطأين الذين ارتكبهما سميث (استثناء رأس المال الثابت من قمية المنتوج، والخلط بين الاستهلاك الشخصي والاستهلاك الانتاجي) هو الذي مكنه –اي ماركس- من بلورة نظريته اللامعة حول تحقق الناتج الاجتماعي في المجتمع الرأسمالي.
اما بالنسبة لسائر الاقتصاديين، بعد سميث وقبل ماركس، فإنهم قد كرروا خطأ آدم سميث [4] ، ولهذا السبب بالذات لم يتقدموا خطوة واحدة عليه. وف نتحدث لاحقا عن البلبلة السائدة في نظريات الدخل. اما في السسجال حول امكانية التوصل إلى حالة من الانتاج الاجمالي الزائد للسلع، الذي خاضه ريكاردو وساي وميل وغيرهم ضد مالثوس وسيسموندي وتشالمرز وكيرشمان وغيرهم، فقد التزم خلاله الطرفان بنظرية آدم سميث المغلوطة. وبالتال، وكما يلاحظ السيد س. بولغاكوف عن حق، «فنظرا إلى المنطلقات المغلوطة والطريقة الخاطئة في صياغة القضية نفسها، فان هذه المساجلات لن تؤدي إلا إلى اللغو الاكاديمي الفارغ.» (المصدر الآنف الذكر، ص 21).
إن ما ورد أعلاه يقودنا مباشرة إلى القول أن المرتكزات الاساسية التي تقوم عليها نظرية ماركس تتلخص في الأطروحتين التاليتين:
الأولى هي الناتج الاجمالي لبلد رأسمالي معين، مثله كمثل الناتج الفردي، يتكون من ثلاثة عناصر: 1) رأس المال الثابت، 2) رأس المال المتغير، 3) فضل القيمة. ان هذا القول يفسر نفسه بنفسه للذين يعرفون تحليل عملية إنتاج راس المال الواردة في المجلد الأول من كتاب مارك «رأس المال».
أما الأطروحة الثانية، فهي ضرورة التمييز بين فرعين في الانتاج الرأسمالي: الفرع 1 هو انتاج وسائل الإنتاج، اي المواد المستخدمَة للاستهلاك الانتاجي التي يعاد توظيفها في عملية الإنتاج، أو بعبارة أخرى، المواد التي يجري استهلاكها بواسطة رأس المال وليس بواسطة البشر. وأما الفرع 2 فهو انتاج المواد الاستهلاكية، اي المواد المستخدمة للاستهلاك الشخصي.
«ان هذا التمييز وحده ينطوي على قيمة نظرية تتعدى قيمة كل السجالات حول نظرية الأسواق» (بولغاكوف، المصدر السابق، ص 27).
هنا يُطرح السؤال: ما الذي يستوجب الآن هذا التمييز بين المنتجات وفق شكلها الطبيعي من أجل تحليل اعادة انتاج رأس المال الاجتماعي، بعدما أغنانا تحليل انتاج وإعادة انتاج رأس المال الفردي عن مثل هذا التمييز، ووضع مسألة الشكل الطبيعي للمنتوج جانبا؟ وعلى أي أساس يحق لنا ان نقيم مسألة الشكل الطبيعي للمنتوج في دراسة نظرية عن الاقتصاد الرأسمالي، هذا الاقتصاد الذي يرتكز كليا إلى القيمة التبادلية للمنتوج؟ فالواقع أنه عند تحليل انتاج رأس المال الفردي، يجري اغفال المسألة المتعلقة بمصدر وكيفية بيع المنتوج وبمصدر وكيفية شراء العمال للمواد الاستهلاكية وشراء الرأسماليين لوسائل الإنتاج، لأن هذه المسألة لا تساهم في التحليل ولا ترتبط به أصلا. فكل المطلوب دراسته، والحال هذه، هو قضية قيمة العناصر المعزولة للإنتاج ونتائجه.
هنا يثور السؤال التالي: من أين سيحصل العمال والرأسماليون على موادهم الاستهلاكية، ومن أين سيحصل الرأسماليون على وسائل إنتاجهم؟ وكيف سيلبي المنتوج الحاضر كل هذه الحاجات ويمكِّن الانتاج من التوسع؟ لسنا هنا فقط أمام «عملية استبدال في القيمة، وإنما أيضا أمام عملية استبدال في المواد» (رأس المال، المجلد الثاني، ص 389). وبالتالي فإن التمييز بين منتجات تلعب أدوارا مختلفة في الاقتصاد الاجتماعي يصبح أمرا جوهريا.
وما أن نأخذ بالاعتبار هذه المنطلقات الأساسية، حتى نجد ان قضية تحقق المنتوج الاجتماعي في المجتمع الرأسمالي لم تعد تحمل أية صعوبات تُذكر.
لنفترض اننا أمام عملية إعادة الإنتاج البسيطة، اي أمام تكرار لعملية الانتاج على نطاقها السابق في ظل غياب التراكم. بديهي هنا أنه يجري تحقق رأس المال المتغير وفضل القيمة في الفرع 2 (الموجود على شكل مواد استهلاكية) عن طريق الاستهلاك الشخصي للعمال والرأسماليين في هذا الفرع (لأن إعادة الانتاج البسيطة تفترض سلفا استهلاك كامل فضل القيمة، وعدم تحول اي جزء منه إلى رأس مال). بل اكثر من ذلك. فإن رأس المال المتغير وفضل القيمة، الموجودين على شكل وسائل انتاج (الفرع 1)، لا بد –لكي يتحققا- من تبادلهما لقاء مواد استهلاكية للرأسماليين والعمال المنخرطين في عملية إنتاج وسائل الانتاج. ومن جهة أخرى، فإن رأس المال الثابت الموجود على شكل مواد استهلاكية (الفرع 2) لا يمكن أن يتحقق إلا بتبادل هذه المواد الاستهلاكية مقابل وسائل إنتاج، لكي يعاد توظيف رأس المال هذا في الإنتاج في العام التالي.
وهكذا نجد عملية تبادل رأس المال المتغير وفضل القيمة في وسائل الإنتاج مقابل رأس مال ثابت في المواد الاستهلاكية. وبهذه الطريقة فالعمال والرأسماليون (في فرع وسائل الإنتاج) يحصلون على معاشهم، فيما يتلخص الرأسماليون (في فرع المواد الاستهلاكية) من منتوجهم ويحصلون على رأس مال ثابت يعاد توظيفه في الإنتاج اللاحق. في ظل إعادة الإنتاج البسيطة، يجب على الأجزاء الجاري تبادلها أن تكون متكافئة، كما يجب على مجموع رأس المال المتغير وفضل القيمة في وسائل الإنتاج ان يعادلا رأس المال الثابت في المواد الاستهلاكية.
ومن جهة أخرى، إذا افترضنا اعادة الانتاج على نطاق متوسع باطراد –أي إذا افترضنا التراكم- فإن الكمية الأولى يجب أن تكون أكبر من الثانية، لأنه لا بد من توافر فائض في وسائل الإنتاج يُستخدم للمباشرة في النتاج اللاحق. ولكن، فلنعد إلى اعادة الإنتاج البسيطة. فالمتروك هنا بدون تحقيق هو جزء اضافي من المنتوج الاجتماعي، وتحديدا رأس المال الثابت في وسائل الانتاج. ويتحقق هذا جزئيا بواسطة التبادل فيما بين رأسماليي هذا الفرع ذاته (كأن يجري مبادلة الفحم بالحديد مثلا، لأن كل من هذين المنتوجين يشكل مادة ضرورية أو أداة في عملية إنتاج الآخر)، وجزئيا بإعادة توظيفه مباشرة في الانتاج (مثلا، الفحم المستخرج في سبيل استخدامه من قبل المنشأة ذاتها لاستخراج المزيد من الفحم، أو الحبوب المستخدمة في الزراعة، الخ).
أما فيما يخص التراكم، إن نقطة انطلاقه، كما أسلفنا، هي توافر فائض في وسائل الإنتاج (مستمد من فضل القيمة الذي يستحوذ عليه الرأسماليون في هذا القطاع)، وهو فائض يستدعي تحويل جزء من فضل القيمة في المواد الاستهلاكية إلى رأس مال. نعتقد أنه من نوافل الأمور أن تفحص بالتفصيل كيف يجري اندماج هذا الانتاج الاضافي بإعادة الانتاج البسيطة. فالواقع أنه ليس من مهمتنا أن نتفحص نظرية التحقق بنوع خاص. وما ورد أعلاه كاف لبيان الخطأ الذي يرتكبه الاقتصاديون الشعبويون، ولتمكيننا من استخراج عدد من الخلاصات النظرية المتعلقة بالسوق الداخلية.
عن المسألة التي تهمنا –مسألة السوق الداخلية- تقدم نظرية ماركس عن التحقق الخلاصة التالية: ان الانتاج الرأسمالي، والسوق الداخلية بالتالي، لا ينموان بفضل المواد الاستهلاكية بقدر ما ينموان بفضل وسائل الانتاج. وبعبارة أخرى، فان الزيادة في وسائل الانتاج تفوق الزيادة في وسائل الانتاج تفوق الزيادة في المواد الاستهلاكية. لقد شهدنا، بالتأكيد، ان عملية تبادل رأس المال الثابت في المواد الاستهلاكية (الفرع 2) تجري في مقابل رأس المال المتغير (+ فضل القيمة) في وسائل الإنتاج (الفرع 1). غير أن القانون العام للإنتاج الرأسمالي يقضي بأن ينمو رأس المال الثابت بسرعة أكبر من نمو رأس المال المتغير . من هنا، فلا بد لرأس المال الثابت في المواد الاستهلاكية من أن يتزايد بسرعة أكبر من تزايد رأس المال المتغير وفضل القيمة في المواد الاستهلاكية، فيما لا بد لرأس المال الثابت في وسائل الانتاج من أن ينمو أسرع من الجميع، متفوقا على تزايد رأس المال المتغير (+ فضل القيمة) في وسائل الإنتاج وعلى تزايد رأس المال الثابت في المواد الاستهلاكية. ويجب بالتالي على فرع الانتاج الاجتماعي الذي ينتج وسائل الانتاج ان ينمو بوتيرة اسرع من نمو ذلك الفرع الذي ينتج المواد الاستهلاكية. ولذا نجد أن نمو السوق الداخلية، في ظل الرأسمالية، «مستقل» إلى حد ما عن نمو الاستهلاك الشخصي، وهو يتم بالدرجة الأولى بفضل الاستهلاك الانتاجي. لكنه من الخطأ فهم هذا «الاستقلال» على أنه يعني الطلاق الكامل بين الانتاج الاستهلاكي والاستهلاك الشخصي، اذ يمكن ويجب للأول ان ينمو بوتيرة اسرع من نمو الثاني (وهذه هي حدود «استقلاليته»). غير أنه من البديهي القول بأن الانتاج الاستهلاكي، في نهاية المطاف، مرتبط دائما بالاستهلاك الشخصي. ويقول ماركس في هذا الصدد:
ان هذا الاستهلاك الموسع لرأس المال الثابت ما هو إلا مستوى أرقى في تطور قوى الإنتاج، مستوى يجري التعبير عنه بمصطلحات القيمة التبادلية لأن «وسائل الإنتاج» المتطورة بسرعة تتكون، في الأساس، من تجهيزات وآلات وأدوات وأبنية ومختلف التوابع اللازمة للإنتاج الكبير، وعلى الأخص الانتاج الآلي. فمن الطبيعي، والحالة هذه، أن يتميز الانتاج الرأسمالي، الذ ينمي قوى الانتاج الاجتماعية وينشئ الانتاج الكبير والصناعة الآلية، بميزة اضافية هي التوسع المخصوص في ذلك الفرع من الثروة الاجتماعية الذي يتكون من وسائل الإنتاج…
أ-أن المجتمع الرأسمالي يستخدم المزيد من عمله السنوي المتوافر في إنتاج وسائل الانتاج (أي في انتاج رأس المال الثابت) غير القبلة للتحويل إلى دخل على شكل أجور أو فضل قيمة، وإنما تتلخص وظيفتها في كونها رأس مال.
ب-عندما الانسان البدائي يصنع القوس والسهام والمطارق الحديدية والفؤوس والسلاسل، إلى آخره، فانه يعلم جيدا انه لم يبذل وقته هذا لإنتاج المواد الاستهلاكية، وإنما لتخزين وسائل الانتاج التي يحتاجها ليس إلا.» (رأس المال، المجلد 2، ص 462).
ان هذه «المعرفة التامة» لصلة الانسان بالإنتاج قد اختفت في المجتمع الرأسمالي بسبب الصنمية الكامنة فيه، والتي تصوّر العلاقات الاجتماعية بين البشر على انها علاقات بين منتجات –نظرا إلى تحويل كل منتوج إلى سلعة يجري انتاجها لمستهلك مجهول، مثلما يجري تحقيقها في سوق هي أيضا مجهولة. ان رب العمل الفرد لا يكترث اطلاقا لنوع المادة التي ينتجها –فكل منتوج يدرّ «دخلا» معينا –فهذه هي وجهة النظر السطحية الانانية نفسها التي تبناها الاقتصاديون النظريون في رؤيتهم للمجتمع ككل، الأمر الذي حال دون معرفة وفهم عملية اعادة انتاج اجمالي المنتوج الاجتماعي في الاقتصاد الرأسمالي.
ان تطور الانتاج (وبالتالي نمو السوق الداخلية) بفضل وسائل الانتاج بالدرجة الأولى، يبدو كمفارقة، وهو بالتأكيد ينطوي على تناقض. لكنه تناقض ليس كامنا في النظرية، وإنما في الحياة الحقيقية. انه نمط من التناقضات يتطابق مع طبيعة الرأسمالية نفسها ومع سائر تناقضات هذا النظام من الاقتصاد الاجتماعي. والواقع ان هذا التوسع في الانتاج الذي لا يقابله توسع مماثل في الاستهلاك يتطابق مع الرسالة التاريخية للرأسمالية ومع بنيتها الاجتماعية المخصوصة. الاولى [الرسالة التاريخية] تتلخص في تطوير قوى الانتاج الاجتماعية. أما الثانية [البنية الاجتماعية] فانها تلغي امكانية استخدام هذه المنجزات التقنية من قبل أكثرية السكان. ومما لا شك فيه انه يوجد تناقض بين النزوع نحو التوسع اللامحدود للإنتاج الكامن في صلب الرأسمالية، وبين القدرة الاستهلاكية المحدودة لجماهير الشعب (المحدودة بسبب الحالة البروليتارية التي تعيشها هذه الجماهير). وهذا هو التناقض الذي يسجله ماركس في الأطروحات التي يستشهد الشعبويون بها بطلاقة نادرة، والتي يُفترض ان تعزز آراءهم حول تقلص السوق الداخلية، وحول الطابع فغير التقدمي للرأسمالية، إلى ما هنالك. وفيما يلي نعيد تثبيت هذه الأطروحات نفسها:
ان كافة هذه الأطروحات تتحدث عن التناقض الالف الذكر، أي التناقض بين النزوع غير المقيَّد لتوسيع الانتاج وبين الاستهلاك المحدود –وهي لا تتحدث عن اي شيء سواه. وليس أشد سخفا من ان يستخلص المرء من هذه المقاطع من كتاب «رأس المال» ان ماركس لا يعترف بإمكانية تحقق فضل القيمة في المجتمع الرأسمالي، او انه يعزو السبب في الأزمات إلى ضعف الطاقة الاستهلاكية، وما شابه. يظهر من تحليل ماركس للتحقق ان التداول بين رأس المال الثابت ورأس المال الثابت محدود قطعا بالاستهلاك الشخصي. غير ان هذا التحليل نفسه يكشف الطابع الفعلي لهذه «المحدودية»، اذ هو يبين ان المواد الاستهلاكية تلعب دورا ثانويا في تكوين السوق الداخلية، إذا ما قورن بدور وسائل الانتاج. وبالإضافة لذلك، فليس أشد سخفا من ان يستخلص المرء من تناقضات الرأسمالية أن الرأسمالية ذاتها مستحيلة أو ان ينفي صفتها التقدمية، وما إلى ذلك. وهذا لا يعني سوى التحليق إلى المرتفعات المتسامية للأحلام الرومنطيقية هربا من الوقائع المزعجة، لكنها المحققة. والحال ان التناقض بين النزوع نحو التوسع اللامحدود للإنتاج وبين الاستهلاك المحدود ليس التناقض الوحيد في الرأسمالية، التي لا توجد وتتطور، أصلا بدون تناقضات. وتشهد تناقضات الرأسمالية على طابعها التاريخي الانتقالي، كما تلقي هذه التناقضات الضوء الكاشف على ظروف وأسباب انهيارها وتجاوزها نحو طور تاريخي أرقى. غير أن هذه التناقضات لا تلغي امكانية نشوء الرأسمالية، ولا هي تلغي طابعها التقدمي بالمقارنة مع أنظمة الاقتصاد الاجتماعي السابقة.
بعد أن عرضنا للأطروحات الاساسية في نظرية التحقق عند ماركس، يبقى علينا ان نشير إلى اهميتها البالغة في نظرية «الاستهلاك» الأهلي و«التوزيع» و«الدخل». لقد شكلت هذه القضايا، وعلى الأخص القضية الأخيرة، عقبة كأداء بالنسبة للاقتصاديين، ولاتزال. فكلما امعنوا في الحديث والكتابة عنها، كلما تعاظمت البلبلة التي أحدثها الخطأ الأساسي عند آدم سميث. وسوف نثبت فيما يلي بعض النماذج عن هذه البلبلة.
انه لمن المثير ان نلاحظ، مثلا، ان برودون [5] قد كرر الخطأ نفسه، جوهريا، إلا انه صاغ النظرية القديمة بطريقة مختلفة نوعا ما. وهو يقول:
وكما يلاحظ القارئ فغننا أمام نفس المعضلة – معضلة تحقق فضل القيمة- التي يثير السيدان فورونتسوف ودانيالسون كل الجلبة حولها، مع فارق وحيد هو أن برودون يطرح القضية بطريقة مميزة. على أن هذه الطريقة المميزة في صياغته تزيد الشعبويين تعلقا به. فإنهم؟، مثل برودون، يعتبرون أن «الصعوبة» انما هي كامنة في تحقق فضل القيمة (فائدة كان أم ربحا، حسب مصطلحات برودون) ويعجزون عن استيعاب ان البلبلة التي ورثوها عن الاقتصاديين الكلاسكيين تمنعهم من فهم تحقق ليس فضل القيمة وحسب وإنما تحقق رأس المال الثابت ايضا. بمعنى آخر، فان «صعوبتهم» تكمن في أنهم لا يفقهون كامل عملية تحقق المنتوج في المجتمع الرأسمالي.
بصدد «نظرية» برودون هذه يسجل ماركس الملاحظة الساخرة التالية:
ويستشهد ماركس بالملاحظة الموجهة ضد برودون من قبل أحد الاقتصاديين المبتذلين، المدعو فوركاد، الذي «يعمم، بطريقة صحيحة كل الصحة، الصعوبة التي يعرضها برودون في اضيق نطاق». يقول فوركاد ان سعر السلع لا يتضمن شيئا يتجاوز الاجور –أي الربح- وحسب، لكنه يتضمن ايضا ذلك الجزء الذي يحل محل رأس المال الثابت. لذا، يستنتج فوركاد، على النقيض من برودون، انه يستحيل على الرأسمالي هو ايضا أن يعيد شراء سلعه بواسطة الربح الذي يجنيه (والحال، ان فوركاد لم يعجز عن حل المسألة وحسب، بل هو عجز عن فهمها أيضا!).
أما رودبرتوس [6] ، فانه لم يقدم اية مساهمة تذكر لحل المسألة اياها. فإذا به، في توكيده على المقولة التي تعتبر ان «الريع العقاري والربح على رأس المال والأجور كلها أجزاء من الدخل»، يثبت عجزه الكامل عن التوصل إلى استيعاب واضح لمفهوم «الدخل». بعد عرض رأيه فيما يجب أن تكونه مهام الاقتصاد السياسي لو أنه استخدم «النهج الصحيح» (المصدر السابق، ص 26) يتحدث ايضا عن توزيع الناتج الأهلي، إذ يقول: «كان يجب عليه [اي على «العلم الصحيح للاقتصاد الأهلي» أن يبين كيف يخصّص دائما جزء من الناتج الاهلي العام فيحل محل رأس المال المستهلك في الإنتاج، بينما يخصص القسم الباقي –بما هو دخل أهلي- لسد الحاجات الضرورية المباشرة للمجتمع وأفراده] (المصدر ذاته، ص 27). ولكن، على الرغم من أنه كان يتوجب على العلم الحقيقي أن يبين هذا، فإن «علم» رودبرتوس نفسه لا يفعل شيئا من هذا القبيل. وسوف يلاحظ القارئ ان جل ما قام به لا يتعدى تكرار آدم سميث حرفيا، طبعا دون أن يلمح ان هذه هي مجرد بداية للمشكلة. أي عمال «يتولون استبدال» رأس المال الأهلي؟ كيف يتحقق منتوجهم؟ ان رودبرتوس لا يتفوه بكلمة جوابا. عند تلخيصه لنظريته («هذه النظرية الجديدة التي أجبه بها أولئك الذين كتبوا حتى الآن» ص 32)» على شكل موضوعات منفصلة، يتحدث رودبرتوس أولا عن توزيع الدخل الأهلي فيقول: «ان الريع [والمعروف ان رودبرتوس يعني به ما نسميه نحن فضل القيمة] والأجور هي، بالتالي، الاجزاء التي ينحلّ اليها المنتوج نفسه، بما هو مدخول» (ص 32). ولكن هذا التحفظ البالغ الاهمية كان يجب ان يوحي اليه بسؤال حيوي جدا: لقد قال لتوّه انه يعني بالدخل تلك المواد المستخدمة «لإشباع الحاجات المباشرة»، وبالتالي فإنه توجد منتجات لا تستخدم للاستهلاك الشخصي. كيف تتحقق هذه المنتجات؟ غير أن رودبرتوس لا يلمح اي غموض هنا وسرعان ما ينسى هذا التحفظ، ويأخذ بالحديث المباشر عن «تجزئة المنتوج إلى ثلاثة أقسام» (الأجور والأرباح والريع) (ص 49-50 وسواهما). وبذلك يكرر رودبرتوس عمليا نظرية آدم سميث مع الخطأ الرئيسي الذي تقوم عليه، دون أن يفسر شيئا ما بصدد مسألة الدخل. أضف إلى ذلك أن وعده بنظرية جديدة اكثر شمولا وأفضل عن توزيع الناتج الأهلي كلام فراغ ليس إلا. فالواقع أن رودبرتوس لم يدفع الجهد النظري عن هذه المسألة خطوة واحدة إلى امام. أما مبلغ البلبلة في مفاهيم «الدخل» عنده، فيظهر من خلال تأملاته المطولة في «رسالته الاجتماعية الرابعة» إلى فون كيرشمان (رأس المال، برلين، 1884) حول ما إذا كان يجب ادخال العملة في الدخل الأهلي، وما إذا كانت الأجور مستمدة من رأس المال أو من الدخل –وهي تأملات قال عنها انغلز انها «تنتمي إلى الميدان الأكاديمي» (مقدمة المجلد 2 من رأس المال، ص 21).
البلبلة القصوى حول مسألة الدخل الأهلي هي سيدة الموقف بين الاقتصاديين إلى يومنا هذا. مثلا في مقال له عن «الأزمات» في قاموس العلوم السياسة (المصدر السالف الذكر، ص 81)، يتحدث هاركنر عن تحقق المنتوج في المجتمع الرأسمالي (الفصل الخامس عن «التوزيع» ويعتبر أن تأملات ك.ه.راو «سليمة»، رغم أن هذا الأخير يكرر خطأ آدم سميث عندما يقسم كامل منتوج المجتمع إلى مداخيل. أما ر.ماير، في مقاله عن «الدخل» (المصدر ذاته، ص 283 وما يليها) فإنه يستشهد بالتعريفات المرتكبة لـ أ.فاغنر (الذي يردد بدوره خطأ آدم سميث) وةيعترف صراحة أنه «يصعب تمييز الدخل عن رأس المال»، وان «اصعب ما في الأمر هو التمييز بين العائدات والدخل».
وهكذا نرى أن الاقتصاديين الذين تحدثوا مطولا عن قلة الاهتمام الذي أبداه الاقتصاديون الكلاسيكيون (وماركس) تجاه «التوزيع» و«الاستهلاك» لم يتمكنوا من تقديم أبسط تفسير لأبرز قضايا «التوزيع» و«الاستهلاك». وهذا أمر مفهوم، لأنه لا يمكن البحث بـ«الاستهلاك» إلا إذا فهم المرء عملية اعادة انتاج اجمالي رأس المال الاجتماعي وعملية استبدال مختلف العناصر المكوِّنة للناتج الاجتماعي. ويثبت هذا المثال مجددا مدى العبث في تفريد «التوزيع» و«الاستهلاك» كما لو أنهما فرعان مستقلان عن فروع العلم يقابلان عمليتين او ظاهرتين مستقلتين في الحياة الاقتصادية. ان الاقتصاد السياسي لا يعالج «الإنتاج» وإنما العلاقات الاجتماعية بين البشر في الإنتاج، اي انه يعالج نظام الإنتاج الاجتماعي. وما ان يجري التعرف إلى هذه العلاقات، وتحليلها تحليلا وافيا، نكون قد حددنا بذلك موقع كل طبقة من الانتاج وبالتالي حصتها في الاستهلاك الأهلي العام. والواقع أن حل المسألة التي أدت إلى توقف الاقتصاد السياسي الكلاسيكي، دون أن يفلح الاخصائيون على اختلاف فئاتهم في «التوزيع» و«الاستهلاك» في جعله يتقدم قيد شعرة –ان هذا الحل توفره النظرية التي تلت مباشرة نظريات الاقتصاديين الكلاسيكيين واستكملت تحليل إنتاج رأس المال، الفردي والاجتماعي.
ان مسألة «الدخل الأهلي» و«الاستهلاك الأهلي»، التي يستحيل حلها إذا ما جرت دراستها بطريقة مستقلة والتي لم تولِّد إلا التأملات الفقهية والتعريفات والتصنيفات، قابلة للحل بمجملها عند تحليل عملية إنتاج رأس المال الاجتماعي الإجمالي. وفضلا عن ذلك، فان هذه المسألة تفقد مبرر وجودها كمسألة مستقلة عند التعرف على علاقة الاستهلاك الأهلي بالناتج الاهلي وبتحقق كل جزء من الأجزاء المنفصلة لهذا الناتج. فلا يبقى غير تسمية هذه الاجزاء المنفصلة:
«الدخل الإجمالي هو تلك الحصة من القيمة وتلك النسبة من الناتج الإجمالي» التي تقاس بها، المتبقية بعد حسم تلك الحصة من القيمة، وتلك الحصة من الإنتاج العام الذي يقاس بها، اللتين تحلان محل رأس المال الثابت المستخدم والمستهلك في الإنتاج. ان إجمالي الدخل يعادل، بالتالي، الأجور (أو تلك الحصة من المنتوج المعدة لكي تتحول إلى دخل للعامل) + الربح + الريع. ومن جهة ثانية، فإن الدخل الصافي هو فضل القيمة، وبالتالي فائض الإنتاج، المتبقي بعد حسم الأجور، والذي يمثل، في الواقع، فضل القيمة الذي حققه رأس المال واقتسمه مع المالك العقاري، وفائض الإنتاج الذي يقاس به.
وهكذا فإن تفسير عملية التحقق يوضح أيضا مسألة الدخل ويزيل العقبة الرئيسية التي حالت دون الوضوح في شأن هذه المسألة، أي: كيف يمكن «لدخل فرد معين أن يصبح رأسمالا بالنسبة لفرد آخر»؟ وكيف يمكن للمنتوج الذي يتكون من مواد للاستهلاك الشخصي، والذي ينحلّ كليا إلى اجور وربح وريع، ان يتضمن ايضا الجزء الثابت من رأس المال، ذلك الجزء الذي لا يمكنه ان يتحول إلى دخل؟ يقدم تحليل عملية التحقق في «رأس المال» (المجلد 2، الجزء 3) جوابا وافيا على هذين السؤالين. ولم يبق لماركس، في القسم الختامي من المجلد الثالث من «رأس المال» الذي يعالج «المداخيل»، إلا أن يعطي أسماء للأجزاء المنفصلة من الناتج الاجتماعي محيلا القارئ إلى التحليل المقدم في المجلد 2.
ان النظرية المعروضة اعلاه حول تحقق المنتوج في المجتمع الرأسمالي قد تثير السؤال التالي: ألا تتناقض هذه النظرية مع المقولة التي تؤكد أن الأمة الرأسمالية لا تستطيع الاستغناء عن الأسواق الخارجية؟
ينبغي أن نتذكر هنا أن تحليل عملية تحقق المنتوج في المجتمع الرأسمالي قد انطلق من الافتراض بعدم وجود تجارة خارجية. ولقد سبق لنا أن عرضنا هذا الافتراض، وبيّنا أنه افتراض أساسي لمثل ذلك التحليل. ومما لا شك فيه أن الواردات والصادرات تزيد في الارتباك بدل المساعدة على جلاء المسألة.
والخطأ الذي يرتكبه السيدان فورونتسوف ودانيالسون هو انهما يستنجدان بالسوق الخارجية من أجل تفسير تحقق فضل القيمة. غير أن هذه الالتفاتة إلى السوق الخارجية، قد تساعد على تغطية اخطائهما النظرية، لكنها لا تساعد على تفسير شيء اطلاقا. هذه نقطة. والنقطة الثانية هي ان السيدين يعتمدان على مثل هذه «النظريات» الخاطئة للتفلُّت من مهمة تفسير ظاهرة تكوّن سوق رأسمالية داخلية في روسيا.
وما «السوق الخارجية» سوى العذر الذي يمكنهما من اضفاء المزيد من الغموض على قضية تطور الرأسمالية (وبالتالي، تطور السوق) داخل البلد نفسه –وهو عذر ملائم جدا طالما انه يعفي هذين السيدين من الحاجة لدراسة الوقائع التي تثبت ان الرأسمالية الروسية آخذة فعلا في اكتساب الأسواق الخارجية.
والواقع ان حاجة بلد رأسمالي معين للسوق الخارجية لا تقررها قوانين تحقق المنتوج الاجتماعي (أو قوانين تحقق فضل القيمة، تخصيصا) وإنما الذي يقررها، أولا بأول، هو أن الرأسمالية لا تظهر إلا نتيجة ازدياد في نمو التداول بين السلع، وتحديدا عندما يتجاوز هذا النمو حدود الدولة المعنية. يستحيل علينا بالتالي ان نتصور أمة رأسمالية بدون تجارة خارجية. ان أمة كهذه ليست موجودة في عالم الواقع.
وكما يلاحظ القارئ، فاننا نسوق هنا حجة تاريخية. ولا ينفع الشعبويين ان يهربوا امام الموضوع بإطلاق بعض العبارات الهشة عن «استحالة استهلاك الرأسماليين لفضل القيمة». ولو انهم يريدون طرح موضوع السوق الخارجية جديا، لتوجب عليهم دراسة تاريخ تطور التجارة الخارجية، وتاريخ تطور تداول السلع. ولو فعلوا ذلك، لما كانوا، بالطبع، اكتشفوا الرأسمالية بصفتها انحرافا طائرا في مسيرة التطور.
ثانيا، ان التطابق بين مقومات الانتاج الاجتماعي (في قيمتها وشكلها الطبيعي) الذي تفترضه بالضرورة نظرية اعادة انتاج رأس المال الاجتماعي، والذي يجري التشديد عليه فقط بوصفه المعدّل الوسطي لعدد من التموجات المستمرة –ان هذا التطابق يتعرض للاضطراب في المجتمع الرأسمالي بفضل الوجود المستقل لمختلف المنتجين الذي يعملون من اجل سوق مجهولة. والواقع ان مختلف فروع الصناعة، التي تشكل «أسواقا» بعضها بالنسبة للبعض، لا تنمو نموا متكافئا، وإنما تتقدم الواحدة منها على الأخرى، وتسعى الصناعات الأكثر تقدما إلى السيطرة والاستحواذ على الاسواق الخارجية. لكن هذا لا يعني على الاطلاق «انه يستحيل على الأمة الرأسمالية ان تحقق فضل القيمة» – وهي الخلاصة الألمعية التي يسارع اليها الشعبويون- وإنما يعني فقط أن عملية تطور الصناعات ليست عملية متكافئة. ولو ان رأس المال الوطني كان موزعا بطريقة مختلفة، لأمكن تحقيق الكمية ذاتها من المنتجات داخل البلد نفسه. اما الذي يدفع رأس المال إلى هجرة مجال صناعي معين والانتقال الى مجال صناعي آخر، فهو اصابة ذلك المجال بأزمة معينة. وأية قوة تستطيع منع الرأسماليين المهددين بمثل هذه الأزمة من السعي وراء سوق خارجية، والسعي وراء التعويضات وأشكال الدعم المالي المختلفة لتشجيع الصناعات، إلى آخره؟
ثالثا، ان القانون الذي يحكم انماط الانتاج قبل الرأسمالية هو تكرارها لعملية الإنتاج على القياس السابق، وعلى القاعدة التقنية السابقة، وذلك هو حال اقتصاد السخرة الذي يفرضه الملاك العقاريون، والاقتصاد الطبيعي للفلاحين، والإنتاج الحرفي للصناعيين.
وعلى العكس من ذلك، فإن القانون الذي يحكم الإنتاج الرأسمالي هو التحول المستمر في انماط الإنتاج، والنمو غير المقيَّد لقياس الإنتاج.
في ظل انماط الإنتاج القديمة، يمكن للوحدات الاقتصادية ان تستمر طيلة قرون من الزمن دون أن يطرأ عليها أي تغيير، ان من حيث طابعها او من حيث حجمها، ودون أن تتخطى مزرعة مالك الأرض، او قرية الفلاح، او السوق الصغيرة المجاورة لحرفيي الريف وصغار الصناعيين. اما الوحدة الرأسمالية، فإننا نجدها على عكس ذلك، تتجاوز بالضرورة حدود المجتمع الريفي، والسوق المحلية، والمنطقة، ومن ثم حدود الدولة نفسها. ومنذ الزمن الذي أدى فيه تداول السلع إلى تحطيم عزلة الدول وانغلاقها، فان الاتجاه الطبيعي لدى كل صناعة رأسمالية هو ضرورة «البحث عن سوق خارجية».
وهكذا، فان البحث عن سوق خارجية لا يثبت على الاطلاق أن الرأسمالية غير راسخة، كما يحلو للاقتصاديين الشعبويين ان يصوروا الأمر. بل العكس هو الصحيح. فإن هذه الضرورة –ضرورة البحث عن اسواق خارجية- انما تبرهن على الانجاز التاريخي التقدمي للرأسمالي، التي حطمت العزلة والانغلاق القديمين للأنظمة الاقتصادية (وبالتالي حطمت ضيق لأفق الحياة الفكرية والسياسية نفسها) وربطت جميع بلدان العالم في وحدة اقتصادية واحدة.
ونستنتج من ذلك ان السببين الآنفي الذكر للحاجة إلى سوق خارجية هما أيضا من الأسباب ذات الطابع التاريخي. ولكي نستطيع فهم هذين السببين، لا بد لنا من دراسة كل صناعة على حدة، في تطورها داخل البلد المعني، وتحولها إلى صناعة رأسمالية –بإختصار، علينا أن ننظر إلى الوقائع المتعلقة بالتطور الرأسمالي في ذاك البلد. ولا عجب إذا كان الشعبويون يستحينون الفرصة للهرب من أمام هذه الوقائع، تحت ستار عبارات عديمة الجدوى (والمعنى) عن «استحالة» قيام السوق الداخلية والسوق الخارجية على حد سواء.
فلنلخِّص الآن المقترحات النظرية التي تناولناها أعلاه، والتي ترتبط ارتباطا مباشرا بمسألة السوق الداخلية.
1-ان قسمة العمل الاجتماعية هي العملية الأساسية في تكوين السوق الداخلية (أي في تطور الإنتاج البضاعي وفي تطور الرأسمالية ذاتها). وتقوم هذه العملية على اشكال مختلفة من معالجة المواد الخام (اضافة للعمليات المتعددة في هذه المعالجة) فتؤدي إلى فصل الفروع الصناعية الواحدة تلو الأخرى عن الزراعة واكتسابها لاستقلالها، وشروع الصناعة في مبادلة منتجاتها (التي تصبح سلعا) مقابل المنتجات الزراعية. وهكذا، تتحول الزراعة نفسها إلى صناعة (اي انها تبدأ بإنتاج السلع) وتجري داخلها عملية تخصص كالتي جرت في الصناعة.
2-نستخلص مما سبق القانون الذي يحكم كل اقتصاد بضاعي نامٍ، وعلى الأخص الاقتصاد الرأسمالي. وهذا القانون يعلن ان السكان العاملين في الصناعة (اي السكان غير العاملين في الزراعة)، ينمو عددهم بسرعة أكبر من نمو عدد السكان العاملين في الزراعة، ويتحول جزء متوسع باستمرار من السكان من النشاط الزراعي إلى النشاط الصناعي.
3-ان عملية انفصال المنتج المباشر عن وسائل الإنتاج –أي مصادرة وسائل الإنتاج التي يملكها- بوصفها مؤشر الانتقال من الإنتاج البضاعي الصغير إلى الانتاج الرأسمالي (والشرط الضروري لهذا الانتقال)- ان هذه العملية هي التي تؤسس السوق الداخلية. وتسير عملية تأسيس السوق الداخلية هذه باتجاهين اثنين:
أولا، ان وسائل الإنتاج التي «يتحرر» منها المنتج الصغير تتحول إلى رأس مال في يد مالكها الجديد، وتُستخدم لإنتاج السلع، بل وتتحول هي نفسها بالتالي إلى سلع. وهكذا، فحتى اعادة الإنتاج البسيطة لوسائل الإنتاج هذه باتت تتطلب شراءها (بينما كان يعاد إنتاج القسم الأوفر من وسائل الإنتاج هذه بالشكل الطبيعي، او يجري تصنيعها في المنازل) –أي ان ذلك يخلق سوقا لوسائل الإنتاج، ومن ثم، فان المنتوج الذي يجري انتاجه بواسطة وسائل الإنتاج هذه يتحول هو ايضا إلى سلعة.
ثانيا، يتكون معاش المنتج الصغير من العناصر المادية لرأس المال المتغير –أي من كمية المال التي ينفقها رب العمل (أكان مالك أرض أم متعهدا أم تاجر خشب أم صاحب مصنع، الخ.) من أجل استئجار العمال. وهكذا، يتحول هذا المعاش إلى كمية من السلع –أي أنه يساهم في انشاء سوق داخلية للسلع الاستهلاكية.
4-ان تحقق المنتوج في المجتمع الرأسمالي (وبالتالي تحقق فضل القيمة) لا يمكن تفسيره قبل ايضاح النقاط التالية:
أولا، ان المنتوج الاجتماعي، مثله مثل المنتوج الفردي، ينحلّ –فيما يتعلق بقيمته- إلى ثلاثة أجزاء وليس جزئين (رأس المال الثابت + رأس المال المتغير + فضل القيمة، وليس فقط إلى رأس مال ثابت + رأس مال متغير، كما قال آدم سميث وكل مدرسة الاقتصاد السياسي التي أعقبته وسبقت ماركس).
ثانيا، ان المنتوج الاجتماعي –في شكله الطبيعي- يجب تقسيمه إلى مجالين اثنين: وسائل الإنتاج (التي يجري استهلاكها عبر عملية الإنتاج) والمواد الاستهلاكية (التي يجري استهلاكها فرديا). وان ماركس، في توكيده على هذه الأطروحات النظرية الأساسية، قدم التفسير المستفيض لعملية تحقق المنتوج عامة، ولعملية تحقق فضل القيمة بنوع خاص في الإنتاج الرأسمالي، وكشف مدى الخطَل في عملية إقحام السوق الخارجية في مسألة التحقق.
5-ان نظرية التحقق عند ماركس تلقي أيضا الضوء الكاشف على مسألة الاستهلاك الأهلي والدخل الأهلي.
وينجم عما سبق أن مسألة السوق الداخلية، بوصفها مسألة منفصلة وقائمة بذاتها وغير معتمدة على درجة تطور الرأسمالية، هي بكل بساطة مسألة ليست قائمة أصلا. ولذا نجد أن نظرية ماركس لا تثير مطلقا هذه المسألة كمسألة منفصلة وقائمة بذاتها.
تظهر السوق الداخلية مع ظهور الاقتصاد البضاعي، وتتكون مع نموه. وان درجة نمو قسمة العمل الاجتماعية هي التي تتحكم بمستوى تطور السوق الداخلية. فهي تتسع مع اتساع الإنتاج البضاعي ليشمل قوة العمل إضافة لشموله المنتجات. وبالقدر الذي تتحول فيه قوة العمل إلى سلعة، تغطي الرأسمالية انتاج البلد كله، فتنمو بالدرجة الأولى بفضل نمو وسائل الإنتاج التي تلعب دورا متزايد الأهمية في المجتمع الرأسمالي.
وتتكون «السوق الداخلية» للرأسمالية بفضل تطور الرأسمالية ذاتها –هذا التطور الذي يعمق قسمة العمل ويحوّل المنتجين المباشرين إلى رأسماليين او إلى عمال. وان درجة تطور السوق الداخلية تساوي درجة تطور الرأسمالية نفسها في البلد المعين. ومن الخطأ البالغ إثارة مسألة حدود السوق الداخلية بمعزل عن مسألة درجة تطور الرأسمالية (مثلما يفعل الاقتصاديون الشعبويون).
لذا، فإن مسألة كيفية تكوّن السوق الداخلية للرأسمالية الروسية تتلخص فيما يلي: كيف، وبأي اتجاه، تتطور الأوجه المختلفة لاقتصاد روسيا الأهلي؟ وما هي عوامل الترابط بين هذه الأوجه المختلفة واعتمادها بعضها على بعض؟
سوف نخصص الفصول القادمة لدراسة الاحصائيات التي تساعد على الإجابة على هذه الأسئلة.
[1]-يعتمد لينين على الأصل الألماني في استشهاداته من كتاب رأس المال. ومن جهتنا، فقد تولينا الترجمة مباشرة عن الإنكليزية –المترجم-
[2]-أي الفلاح الذي يمارس الزراعة في ظل الاقتصاد الطبيعي، اقتصاد الاكتفاء الذاتي والوحدات الانتاجية المعزولة بعضها عن بعض، حيث التبادل الضعيف أصلا يتخذ شكل المقايضة في أغلب الأحيان. ونمط الإنتاج البطريركي هو الذي كان يسود المشاعات القروية، حيث ينضوي الفلاح في أسرة موسعة (العشيرة) تحت السلطة المطلقة للأب (البطريرك) على أبنائه وأحفاده. وكان المجلس الذي يضم مجموع هؤلاء «البطاركة» يدير شؤون القرية المشاعية –المترجم-
[3]-نستخدم مصطلح معاش كمترجمة لـ means of Subsistence أي «موارد رزق» -المترجم-
[4]-يؤكد ركاردو، مثلا، «ان كامل منتوج الأرض والعمل لكل بلد ينقسم إلى ثلاثة أجزاء: جزء يخصص للأجور، وآخر للأرباح، وثالث للريع» (ريكاردو، المؤلفات، سان بطرسبرغ، 1822، ص 221) (ملاحظة لينين).
[5]-بيار جوزيف برودون (1809-1876): داعية واقتصادي وعالم اجتماع فرنسي اشتراكي. مثَّل عمليا وفكريا «الاشتراكية» البرجوازية الصغيرة، وكان من مؤسسي الفوضوية. ساجل ماركس ضد نظرياته الاقتصادية في كتابه «بؤس الفلسفة»، ردا على أشهر كتب برودون «فلسفة البؤس» -المترجم-
[6]-رودبرتوس، يوهان كارل (1805-1875) سياسي واقتصادي ألماني، كان يبشر بصيغة رجعية تدعو لـ«اشتراكية الدولة» البروسية –المترجم-