المعايير الاجتماعية لا تقبل التفاوض |
|
بقلم: لويس أندرسون (*)
(*) السكرتير العام للكونفدرالية الدولية للنقابات الحرة ( CISL ) لمنطقة أمريكا اللاتينية |
|
في النصف الأول من الثمانينات ووجه الساندينيون، وهم حينها في السلطة، بانتقادات من طرف المجتمع الدولي بخصوص مسألة احترام حقوق الإنسان. وفي ذلك الوقت كان المثقفون الأوربيون خصوصا يؤكدون بأنه لا تتوجب مطالبة هذا البلد – على غرار بلدان أخرى لم تحقق بعد درجة كافية من التنمية الاقتصادية – بالانضمام عمليا إلى الممارسات الديمقراطية الغربية. نفس المبرر مع بعض الاختلاف الطفيف، كان قد تم استخدامه من طرف المدافعين عن التمييز العنصري بافريقيا الجنوبية مؤكدين أن المقاطعة تحقق مصالح السكان السود أكثر مما تحقق مصالح البيض. اليوم، وفي سياق المناقشة الدائرة حول البند الاجتماعي (1) والروابط في ما بين عولمة التجارة واحترام المعايير العالمية للشغل يتمسك ممثلوا الباطرونا وحكومات بلدان نامية مثل المكسيك، كوستاريكا أو البيرو بخطاب مماثل لسابقه؛ فهم يؤكدون أن من شأن تبني البنذ الاجتماعي إلغاء الامتياز التنافسي الذي تستفيد منه مقاولات هذه البلدان في مواجهتها لمقاولات البلدان الصناعية. بيد أن تحريم تشغيل الأطفال والشغل الإجباري، والحق في التنظيم على شكل نقابات، والتفاوض حول الاتفاقيات الجماعية وعدم التمييز الجنسي أو العرقي في ميدان الشغل، هي كلها معايير مقبولة كونيا باعتبارها حقوقا للإنسان. وإذا كانت بعض حكومات أمريكا اللاثينية قد رفضت مبدأ البنذ الاجتماعي، فإن المنظمات النقابية هي عمليا متفقة كلها على المطالبة بتنفيذه. إن النقابات تعترف بأن امتناع حكومات المنطقة ليس فارغا من الأساس والمبررات؛ فالبلدان الصناعية تستطيع تحوير هذا البند لخدمة أغراض حمائية، والتاريخ الطويل للإجراءات التجارية الأحادية الجانب المفروضة من طرف بعض بلدان الشمال يسند هذا الانشغال. ومع ذلك، فحقوق الانسان وحقوق الشغالين غير قابلة للتفاوض. بالنسبة للنقابات العديدة التي ساندت هذا الاقتراح يشكل البنذ المذكور جزءا من الميكانيزمات التي يجب تفعيلها للاستجابة للوضعية غير المسبوقة والناجمة عن عولمة الاقتصاد والتجارة؛ يجب الاعتراف بأولوية هذه الحقوق التي لا تقبل الانفصال عن الشخص الإنساني على حقوق المستهلك، هذه الحقوق التي ولو أنها محترمة وضرورية فهي في الغالب غير متناسبة في هذه الفترة من مآل السوق الحرة.
حقوق الانسان ضد حقوق المستهلك إحدى أولويات الحركة النقابية تتمثل حاليا في تنمية الوعي بأهمية هذه الحقوق بتعاون مع قوى أخرى من قوى المجتمع؛ فسيرورة العولمة يمكن أن تساهم في الصراع ضد الفقر والإقصاء الاجتماعي، بشرط تحويلها من أجل إعطائها سمة أكثر ديمقراطية، أكثر إدماجا وأقل نخبوية، أكثر إنسانية وأقل تجارية. هذه السيرورة مطالبة أيضا بالحفاظ على المكتسبات المحصل عليها خلال القرن العشرين في ما يتعلق باحترام حقوق الإنسان والشغيلة. وإذا ما استمرت العولمة التجارية والاقتصادية وفق منطقها الحالي فإنها ستنتهي إلى عماء اجتماعي بفظاعة يصعب توقعها. بأمريكا اللاتينية، وهي القارة المتميزة منذ العهد الاستعماري بتوزيع غير عادل للثروات، أمكنت الاستفادة من هذا النموذج الجديد للتنمية من أجل اجثتات هذا المشكل التاريخي، إلا أن التأثيرات الإيجابية المنتظر تحصيلها من العولمة لن تحدث بفعل فضائل السوق الحرة وإنما عن طريق الإرادة والفعل الحاسمين للرجال والنساء الذين يشكلون مجتمعاتنا. (1) يتعلق الأمر بالقيود المفروضة
على الدخول الحر للبضائع المنتجة ببلد ما إلى الأسواق الأخرى ،
وبالخصوص أسواق البلدان الصناعية. |