الفلسفة كإيديولوجيا |
كتبه: كارل ماركس |
خلافا للفلسفة الألمانية التي تنزل من السماء إلى الأرض، نصعد هنا من الأرض إلى السماء – وبعبارة أخرى، فنحن لا ننطلق مما يقوله و يتخيله ويتصوره البشر، ولا من ذاتهم كما تتجلى في الكلام والخيال و الفكر وتصور الغير، حتى نصل بعد ذلك إلى البشر لحما ودما، بل نحن ننطلق من البشر في عملهم الحقيقي، فبالانطلاق من نوعية حياتهم الحقيقية وتطورها نصور أيضا تطورا الانعكاسات والأصداء الإيديولوجية لهذا المجرى المعين للحياة – وحتى الأشباح (Fantasmagories) في الدماغ البشري ليست سوى تصعيدات (Sublimations) ناتجة حتميا عن نوعية حياتهم المادية التي نستطيع أن نلمسها بالتجربة والتي ترتكز على أسس مادية. ومن هنا فإن الأخلاق و الدين والميتافيزيقا وكل محتويات الإيديولوجيا، وكذلك أشكال الوعي التي تطابقه، تفقد صفتها كظواهر مستقلة. فهي لا تاريخ لها و لا تطور له، بل على العكس من ذلك، فإن البشر هم الذين يغيرون، بتطوير إنتاجهم وعلاقاتهم المادية، وبجانب هذا الواقع الخاص بهم، فكرهم ومنتوجات فكرهم. ففي الاعتبار الأول للأشياء، انطلقنا من الوعي و اعتبرناه في مثابة الفرد الحي، أما في الثاني فقد انطلقنا من الأفراد الحقيقيين والأحياء أنفسهم واعتبرنا الوعي وعيهم لا غير... ها هنا تزول التصورات النظرية (Spéculations)، ففي الحياة الحقيقية يبدأ العلم الحقيقي، الإيجابي، وتحليل العمل التطبيقي و مجرى الحياة العادية للبشر. تزول الجمل الخاوية فيما يخص الوعي إذ يجب تعويضها بعلم حقيقي. فبدراسة الواقع تفقد الفلسفة الوسط الذي تعيش فيه بصفة مستقلة ... ليس الوعي هو الذي يعين العيش بل العيش هو الذي يعين الوعي. |