كيف سبق لماركس توقع الشمولية |
|
بقلم: دافيد إدغار David Edgare |
|
الماركسية اليوم - لندن في يوم من الأيام قال إرنستو تشي غيفارا إن الخطأ ليس خطأه إذا كانت الحقيقة ماركسية. في فترة ما بعد الحرب وحتى حدود سنة 1989 كان من الممكن بالكاد الدفاع عن هذه الأطروحة، لكنها منذ ذلك التاريخ أضحت بصراحة غريبة وشاذة. ومع ذلك، فقد أكد السيد جون كاسيدي في أكتوبر 1997 وفي أحد أعداد النيويورك التي حاولت صوغ بعض التوقعات بخصوص المستقبل، بأن مفكر الغد الأكبر لم يكن شخصا آخر غير رينان القرن 19 الذي أصبح اليوم موضة [ cf. CI رقم 367، 13 نوفمبر 1997، ص 47 ]، وذلك لأنه إذا كانت بعض أفكاره لم تبد غريبة الأطوار إلا في الماضي، فقد انكشف أكثر فأكثر أن وصفه المتعلق بأوجاع ومآسي المجتمع الحالي وصف صحيح. إن كاتب المقال، تماما كالمؤرخ هوبسباون، استشهد في معرض دعم أقواله بتكهنات ماركس التي بدا اليوم أنها تتحقق. في بيان الحزب الشيوعي المنشور منذ 150 سنة لاحظ ماركس وإنجلز أن البورجوازية « المدفوعة بحاجتها إلى منافذ دوما جديدة تكتسح العالم بأجمعه »، والبيان غير الراضي على توقع العولمة بهذا الشكل أعلن عن عدد معين من عواقب هذه السيرورة التي تبدو واضحة اليوم، ولكنها عواقب لم تكن كذلك بدون شك في سنة 1848. إن الرأسمالية في المقام الأول لم تخلق فقط قطاعات إنتاجية جديدة، ولكنها دمرت أيضا بشكل دائم القطاعات التي كان عليها في الماضي أن تخلقها بذاتها (وبخاصة القطاعات الوطنية القائمة على المواد الأولية الأهلية)، وفي المقام الثاني، فإن حاجات جديدة تظهر، وتشهد ديناميكية جديدة لتوحيد الإنتاج كما هو شأن الاستهلاك العالمي انطلاقا من الميتروبول. وفي المقام الثالث، فإن جزءا متعاظما من التجارة التي أضحت بذلك شمولية ينهض من الإنتاج الفكري. وأخيرا فإننا نشهد تفقيرا لغالبية السكان. لقد كان حل مشكلة الفقر تقليديا بالنسبة للماركسيين المحاصرين يمر عبر العالمية. اليوم، وبالنظر للفوارق داخل البلدان الصناعية، فإن عالمية مثل هذه لم تعد ذات موضوع. إن ما لم يسبق لماركس وإنجلز أن توقعاه بطبيعة الحال هو تكسر نظام الطبقات؛ لقد اعتقد كلاهما أنه على الرغم من عولمة متسارعة للرأسمال الباحث دوما عن منافذ جديدة، فإن العمل سيتوحد وسيتمركز وسيصبح عسكريا أكثر فأكثر بدون توقف.
تستدعي الوعكة الحالية للاقتصاد إعادة تحديد دور السياسة لكن الفقرة الأكثر حدسية في البيان هي تلك الفقرة التي تصف العواقب الثقافية للخصوبة الاقتصادية لدى الرأسمالية: أي تحلل كل « العلاقات الاجتماعية الجامدة والمغطاة بالصدأ » واختفاء المهن التقليدية والأسرة المعوضة بـ « هذا الارتجاج الثابث لكل النظام الاجتماعي، هذا الاضطراب وهذا اللاأمان المؤبد ». وهكذا رأى مؤلفا البيان في حيوية الرأسمال ذاتها بذور المرض الذي اعتقدا أنه قاتل. لكنه لا يكفي حسب كاسيدي القيام بتشخيص سليم، إذ يتوجب أيضا إيجاد حلول سياسية، وماركس كما نعرف لم يقترح نموذجا نظريا للشيوعية أو للاشتراكية. في الممارسة فإن هذين النظامين تطلعا لحل المشاكل الاقتصادية باعتماد وسائل سياسية، سواء تعلق الأمر بالاقتصاد الموجه من النمط السوفياتي أو النيوديل على الطريقة الأمريكية أو عمليات التأميم. وعندما نتأمل مشروع توني بلير فإننا سنجد أنه فهم كل هذا. إن المبدأ الرئيس لديه هو كالتالي: الاقتصاد هو ما هو، وكل ما يمكن فعله هو وضع حدود لإفراطاته ومبالغاته. ومن وجهة نظر أكثر تفاؤلية فإن الوعكة الحالية للاقتصاد الليبرالي الكلاسيكي تستدعى إعادة تحديد لدور السياسة في الاقتصاد. إن الخطأ الأكبر للماركسية لم يكن متمثلا في اعتبار البروليتاريا صنيعة الرأسمالية وضحيتها، ولكن في كونها أرادت أن تجعل منها العامل الوحيد والأوحد للتغيير. وفي الواقع فإن الشيوعية والاشتراكية الديمقراطية تمثلتا إحداهما كما الأخرى في حلف في ما بين الأكثر فقرا والأنتلجنسيا حول برنامج جامع اجتماعيا. لقد أرادت الليبرالية الجديدة أن تكون حلا بديلا لاشتراكية دولة هي في حالة إفلاس، ومن ثمة فقد فتحت إمكانيات جديدة للتغييرات الاجتماعية الاقتصادية والتكنولوجية. وبالموازاة مع ذلك فقد أيقظت أيضا، وإلى حد ما عمقت مشاكل الفقر واللاأمان والفوارق التي حاولت الاشتراكية التصدي لها. لقد ولدت اشتراكية الدولة في قلب الرأسمالية الصناعية ذاته، بيد أننا نرى اليوم ربما سياسة جماعية وهي ترتسم سواء بداخل العولمة أو على هوامشها. رأسمالية صناعية، اشتراكية الدولة، الليبرالية الجديدة والنزعة الوطنية، العولمة، المحليـة. اشتراكية الدولة، الليبرالية الجديدة، الطريق الثالث. أطروحة ونقيض الأطروحة ثم تركيب. ألا يذكركم هذا بأي شيء ؟ |