مراسلات ماركس - أنجلس |
مكان النشر : شتوتغارت |
من ماركس لندن، 23 تشرين الثاني (نوفمبر)1871 إلى فريدريك بولته في نيويورك لقد أسست الأممية بغية الاستعاضة عن الشيع الاشتراكية ونصف الاشتراكية بمنظمة حقيقية للطبقة العاملة من أجل النضال. وإن النظام الداخلي الأولي والبيان التأسيسي يشيران فوراً إلى هذا. ومن جهة أخرى، ما كان في وسع الأممية أن تترسخ، لو لم يكن مجرى التاريخ قد حطم التشيع. إن تطور التشيع الاشتراكي وتطور الحركة العمالية الحقيقية هما مناقضان دائما أحدهما للآخر. وليس للشيع مبرر (تاريخي) ألا طالما لم تنضج الطبقة العاملة لأجل التحرك التاريخي المستقل. وما أن تبلغ حد النضج هذا حتى تمسي جميع الشيع رجعية من حيث جوهر الأمر. وفضلا عن ذلك، تكرر في تاريخ الأممية نفس ما يتكشف دائما في التاريخ. فإن ما شاخ يحاول أن يتجدد ويترسخ في إطار الأشكال المنبثقة حديثا. إن تاريخ الأممية كان أيضا عبارة عن نضال مستمر خاضه المجلس العام ضد الشيع وضد محاولات الهواية المبتذلة التي سعت إلى التوطد داخل الأممية ذاتها خلافاً للحركة الحقيقية للطبقة العاملة. وقد جرى هذا النضال في المؤتمرات، كما جرى بمقدار أكبر عن طريق المفاوضات غير العلنية بين المجلس العام ومختلف الفروع. وبما أن البرودونيين (الموتويليين Mutualists) كانوا في باريس في عداد مؤسسي الجمعية، فمن الطبيعي أن يكونوا قد وقفوا هناك في السنوات الأولى على رأس الحركة. وفيما بعد، تشكلت مقابلهم، هناك أيضا، بالطبع، فرق جماعية ووضعية وغيرها من الفرق. في ألمانيا – زمرة اللاساليين Lassalle. وأنا نفسي تراسلت في غضون سنتين مع شفيستر الذائع الصيت، وبرهنت له بما لا يقبل الجدل أن المنظمة اللاسالية منظمة متشيعة محضة، وأنها، بصفتها هذه، معادية لتنظيم الحركة العمالية الحقيقية الذي تسعى الأممية وراءه. ولكن كان له (مبرره) لكي لا يفهم هذا. في أواخر 1868، انتسب الروسي باكونين Bakunin إلى الأممية لكي ينشئ في قلبها، تحت قيادته بالذات، أممية ثانية اسمها "حلف الديمقراطية الاشتراكية". وقد ادعى، وهو الذي لا يملك أي معارف نظرية، بأن يكون في هذه المنظمة الخاصة ممثل الدعاية العلمية للأممية ويجعل من هذه الدعاية اختصاصا تختص به هذه الأممية الثانية داخل الأممية. كان برنامجه عبارة عن خليط من الأفكار المأخوذة بصورة سطحية من هنا وهناك - المساواة بين الطبقات ( !)، إلغاء حق الوراثة بوصفه انطلاق الحركة الاجتماعية (نفايات سان سيمونية)، الإلحاد المفروض على أعضاء الأممية بوصفه عقيدة، الخ.؛ أما العقيدة الرئيسية (على النمط البرودوني) فهي الامتناع عن الاشتراك في الحركة السياسية. إن حكايات الأطفال هذه قد لقيت قبولا وديا (ولا تزال تلقاه الآن بدرجة معينة) في ايطاليا وإسبانيا حيث المقدمات الفعلية للحركة العمالية قلما تطورت حتى الآن، وكذلك بين بعض العقائديين الفارغين، المدعين، المغرورين، في سويسرا الرومانية وفي بلجيكا. إن السيد باكونين كان ولا يزال يرى في مذهبه (وهو هراء يتألف من مقاطع منتزعة من مؤلفات برودون وسان سيمون وغيرهما) قضية من المرتبة الثانية، مجرد وسيلة لأجل تعظيمه بالذات. ولكن إذا كان في الحقل النظري صفرا، فهو في التآمر من أربابه. فقد اضطر المجلس العام طوال سنوات إلى النضال ضد هذا التآمر (الذي حظي، لدرجة معينة، بتأييد البرودونيين الفرنسيين ولا سيما في فرنسا الجنوبية). وأخيرا سدد بقرارات الاجتماع الموسع – القرارات الأول والثاني – ضربة هيأها من زمان. وغني عن البيان أن المجلس العام لن يدعم في أمريكا ما يناضل ضده في أوروبا. فإن القرارات الأول والثاني والثالث تعطي الآن لجنة نيويورك سلاحا شرعياً لأجل وضع حد لكل تشيع ولكل فرق الهواية المبتذلة، ولأجل طردها عند الاقتضاء... ... وبديهي أن للحركة السياسية للطبقة العاملة هدفها النهائي، وهو الظفر بالسلطة السياسية في صالحها؛ ولهذا الغرض، لا بد من تنظيم تحضيري للطبقة العاملة يبلغ درجة معينة من التطور، وينبثق ويتنامى من النضال الاقتصادي نفسه. أما من الجهة الأخرى، فإن كل حركة تضاد فيها الطبقة العاملة، بوصفها طبقة، الطبقات السائدة، وتجهد للتغلب عليها بالضغط من الخارج، إنما هي حركة سياسية. فإن السعي، مثلاً، بواسطة الإضرابات وخلافها، إلى إكراه بعض الرأسماليين في مصنع من المصانع أو حتى في فرع من الفروع الصناعية إلى تقصير وقت العمل، إنما هو حركة اقتصادية بحته؛ أما الحركة التي تستهدف الإجبار على إصدار قانون بيوم العمل من ثماني ساعات، الخ.، فهي بالعكس حركة سياسية. وهكذا تنشأ في كل مكان، من حركات العمال الاقتصادية المتفرقة، حركة سياسية أي حركة طبقة تسعى وراء تحقيق مصالحها في شكل عام مشترك، أي في شكل يتسم بقوة القانون بالنسبة للمجتمع كله. وإذا كانت هذه الحركات تفترض بعض التنظيم التحضيري، فإنها من جهتها، وبالقدر نفسه، وسيلة لتطوير هذا التنظيم. وحيث لم تحرز الطبقة العاملة بعد ما يكفي من النجاح في تنظيمها لأجل القيام بزحف حاسم على السلطة الجماعية، أي على السلطة السياسية للطبقات السائدة، ينبغي في كل حال أعدادها لهذا الغرض عن طريق التحريض الدائب ضد هذه السلطة واتخاذ موقف عدائي حيال سياسة الطبقات السائدة. وألا بقيت الطبقة العاملة ألعوبة في أيدي الطبقات السائدة كما أثبتت ذلك ثورة أيلول (سبتمبر) في فرنسا، وكما تثبته، إلى درجة معينة، اللعبة التي يفلح حتى الآن السيد غلادستون Gladstone وشركاه في لعبها في انجلترا. |