تطور الحركة الاشتراكية للنساء العاملات |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قد يظن المرء للوهلة الأولى بأنه ليس ثمة من فكرة أدق وأوضح من فكرة « الحركة الاشتراكية النسائية ». غير أنها في الواقع تثير الكثير من الاستغراب، وكثيرا ما نسمع عبارات التعجب والتساؤل: ما هي الحركة العمالية النسائية ؟ ما هي مهامها وأهدافها ؟ لماذا لا تندمج بالحركة العامة للطبقة العاملة ؟ لماذا لا تذوب فيها، مادام الاشتراكيون الديمقراطيون ينكرون وجود مسألة نسائية مستقلة ؟ أليست مثل هذه الحركة ترسبا من ترسبات الحركة النسوية(1) البرجوازية ؟ ولا يقتصر طرح مثل هذه الأسئلة على روسيا وحدها. فهي تتردد في كل الأقطار تقريبا، ويمكن سماعها في كافة اللغات. والأعجب من ذلك أن المواقف الأشد تصلبا في إنكارها لضرورة العمل المستقل في صفوف البروليتاريا النسائية تصدر في الأماكن حيث الحركة العمالية النسائية أكثر تخلف، حيث العاملات المنظمات يشكلن نسبة ضئيلة في الأحزاب والنقابات. بمثل هذه الطريقة التبسيطية يجري حل عقدة المسألة النسائية والمسألة الاجتماعية عامة. إن حركة النساء العاملات ولدت فعلا في رحم المجتمع الرأسمالي. غير أنها ظلت، طوال فترة طويلة، تتعثر في تقدمه، وتتردد في اختيار وسائل العمل. والواقع أن الحركة العمالية النسائية تتخذ أشكالا بالغة التنوع والتعدد. وتختلف هذه الأشكال بين بلد وآخر، وهي تتكيف مع الظروف الخاصة بكل بلد، ومع طابع حركته العمالية. ولكن مع الوقت نمت هيئات حزبية متخصصة بالحركة النسائية الاشتراكية، خاصة حيث كانت الحركة الاشتراكية الديمقراطية قوية. يصعب أن نلقى الآن مناضلا اشتراكيا يجادل حول ضرورة أو عدم ضرورة وجود تنظيم واسع للبروليتاريا النسائية. هذه مسألة باتت محسومة. والحال أن الاشتراكيين الديمقراطيين في كافة الأقطار باتوا يفاخرون بضخامة « جيشهم النسائي »، وهم يأخذون بعين الاعتبار تلك القوة المتسارعة النمو في معرض حساب فرص نجاح وانتصار الصراع الطبقي. نتيجة لذلك، فإذا كان هناك ثمة من خلاف قد ينشب، فهو ليس حول جوهر المسألة، وإنما هو فقط حول وسائل وأساليب التحريض والنضال الواجب اتباعها في أوساط النصف النسائي من الطبقة العاملة. ومهما يكن من أمر، فإن الذين انتصروا في النقاش، في كافة الأقطار، هم المدافعون عن الأسلوب الألماني القائم على دمج النصفين النسائي والرجالي من الطبقة في التنظيم الحزبي الواحد، مع الاحتفاظ باستقلالية التحريض بين نساء الطبقة العاملة. إن الحركة النسائية الاشتراكية لا تزال حركة فتية لم يمض على قيامها أكثر من عشرين سنة. صحيح أن النساء كن فيما مضى في عداد أفراد التنظيمات العمالية والاتحادات والأحزاب. ولكن انضمام النساء العاملات إلى تنظيم نقابي أو حزبي لم يكن يترافق مع النضال في المجالات التي تهم النساء بشكل خاص. هكذا كان الوضع في ألمانيا حتى أواسط العشرينيات، وفي إنكلترا حتى القرن العشرين، وفي روسيا حتى ثورة 1905. ونتيجة لذلك، فإن البحث والاستقصاء عن القضايا التي تخص العاملات، بوصفهن نساء، والدفاع عن مصالحهن كأمهات وربات بيوت، قد تُرك في يد دعاة الاتجاه النسوي في المعسكر البرجوازي. إن منتصف التسعينيات (من القرن الماضي) يشكل منعطفا في هذا الصدد. ففي مؤتمر غوتا للحزب الاشتراكي الديمقراطي عام 1896، أرسيت قواعد عمل تحريضي خاص ومستقل بين النساء، بناء على إصرار كلارا زتكن. وفي العام ذاته، خلال انعقاد « المؤتمر الاشتراكي الأممي » في لندن، عقد أول اجتماع خاص ضم حوالي ثلاثين مناضلة اشتراكية كن في عداد المندوبات إلى المؤتمر عن إنكلترا وألمانيا وبلجيكا وأميركا وهولندا وبولونيا. ويشكل هذا الاجتماع بداية محاولة متواضعة لبعث الحياة في الحركة الاشتراكية النسائية في الأقطار الأخرى. عني هذا الاجتماع الخاص قبل كل شيء بنقاش مسألة العلاقة بين الحركة النسوية البرجوازية والحركة النسائية الاشتراكية. فأقر ضرورة رسم حد فاصل بين الحركتين، ولاحظ ضرورة التحريض الاشتراكي الخاص بين العاملات لجذبهن إلى صفوف حزب الطبقة العاملة. لقد مضى عقدان من الزمن على انعقاد أول اجتماع للمناضلات الاشتراكيات. خلال تلك السنوات، سيطرت الرأسمالية ليس على فروع صناعية جديدة وحسب، بل وعلى أقطار جديدة أيضا. واتسعت اليد العاملة النسائية، واكتسبت المزيد من الوزن الاجتماعي في حياة الاقتصاد الوطني. لكن العاملات كن مبعثرات، لا يضمهن تنظيم ولا يربطهن بزملائهن العمال أي رابط، تظهرن كمنافسات خطيرات يهددن بتخريب تقدم نضالات العمال المنظمة. فبدت مسألة تنظيم المرأة العاملة، في تلك السنوات، كمسألة حيوية وملحة. غير أن كل قطر شق طريقه الخاص في معالجة مسألة تنظيم النصف النسائي من البروليتاريا وتكييف النساء مع ظروف الواقع الاجتماعي. وهذا ما يفسر تنوع الأساليب التنظيمية. فقد انضمت النساء إلى اتحادات نقابية عامة أو مختلفة، أو انتظمن في نقابات خاصة بالنساء أو أسسن النوادي النسائية وجمعيات التثقيف الذاتي أو شكلن تنظيما نسائيا خاصا داخل الحزب أخذ على عاتقه العمل التحريضي والتنظيمي بين النساء. وهذا الأسلوب الأخير هو الأكثر ملاءمة لمهمة زج العاملات في الصراع الطبقي. مع إطلالة عام 1907 كانت حركة المرأة العاملة قد بلغت من الاتساع قدرا سمح بالدعوة لعقد أول مؤتمر أممي للنساء في شتوتغارت، بالتعاون مع المؤتمر الاشتراكي الأممي العام. ولم تقتصر النساء الاشتراكيات على تبادل المعلومات حول النشاط القطري، بل إنهن أعلنّ عن تصميمهن على مواصلة العمل على الأسس السابقة، وبكافة الوسائل، من أجل تنمية وتطوير الحركة العمالية النسائية. وبعد شيء من الخلاف، اتفقت المندوبات على توصية قدمتها المندوبات الألمانيات بصدد إنشاء المكتب النسائي الأممي، تكون مهمته توثيق العلاقات بين التنظيمات العمالية النسائية في مختلف الأقطار. هذا وقد اعترفت الهيئة المركزية للحركة العمالية النسائية الأممية بصحيفة غلايشهايت (المساواة) التي يصدرها الحزب الألماني. والواقع أن مؤتمر شتوتغارت عزز ذلك القسط من الاستقلالية الضروري لتنمية العمل المثمر بين البروليتاريا النسائية. فاتضح أنه بالرغم من أن الحركة البروليتارية النسائية جزء لا يتجزأ من الحركة العمالية الشاملة، إلا أنها تتمتع بمميزات خاصة، مردّها الظروف الحياتية الخاصة بالمرأة العاملة، والموقع الاجتماعي والسياسي المميز الذي تحتله المرأة في المجتمع الحديث. وعلى الرغم من أن أهداف التحريض الموجهة للنساء خاصة لا تختلف عن تلك الموجهة للحركة العمالية عامة، وعلى الرغم من أنها تشكل جزءا من هدف أشمل، غير أنها، بما هي تُعنى مباشرة بمصالح النساء، فإن أفضل وسيلة لتنفيذها هي عبر مبادرة ممثلات الطبقة العاملة النسائية. ومع أن الاشتراكيين يعترفون بأن قضية المرأة تشكل جزءا عضويا من القضية الاجتماعية الشاملة في عصرنا، ويعتبرون المرأة العاملة عضوا في الطبقة العاملة قبل أن تكون أي شيء آخر تعاني الاستعباد والحرمان من الحقوق المدنية يضطرها النضال من أجل تحررها إلى النضال قبل كل شيء لتحرر طبقتها بأسرها – مع هذا كله، فالاشتراكيون يطرحون نقطة إضافية إلى جانب اعترافهم بذلك المبدأ الأساسي. وهي أن المرأة العاملة ليست فقط عضوا في الطبقة العاملة، بل إنها في الوقت ذاته ممثلة لنصف الجنس البشري. وعلى عكس دعاة النسوية، فالاشتراكيون الذين يطالبون بالحقوق المتساوية للنساء في الدولة والمجتمع، لا يغمضون أعينهم عن كون مسؤوليات المرأة تجاه المجتمع سوف تبقى مختلفة إلى حد ما عن مسؤوليات الرجل. فالمرأة ليست فقط عاملا ومواطنا مستقلا، بل إنها أيضا أم وحاملة الغد في أحشائها. وهذا ما يؤدي إلى سلسلة كاملة من المطالب الخاصة في مجالات مثل حماية عمل النساء، وضمانات الأمومة والطفولة، والمساعدة في تربية الأطفال، وإصلاح العمل المنزلي وما شابه. وبالإضافة لذلك كله، فإننا نجد المرأة العاملة في وضع بائس في المجتمع والدولة في معظم البلدان. فالعاملة منبوذة حتى بين عبيد الرأسمالية الجدد(2)، وهذا النبذ للنساء يولد عدم المساواة في الظروف الحياتية بين المرأة والرجل حتى ضمن الطبقة العاملة نفسها. فسواء في السياسة والأسرة أو في العلاقة بين الجنسين (البغاء، النفاق الأخلاقي...)، أو في العمل نفسه، تحتل المرأة دائما « مركزا ثانويا ». وإن حياتها كلها هي الشاهد الدافع على حرمانها من الحقوق. طبيعي إذن أن يختلف تكوين المرأة العاملة النفسي عن تكوين العامل، تحت تأثير عبودية القرون. فالعامل أكثر استقلالا وحزما وشعورا بالتضامن. ثم إن أفقه واسع لأنه ليس سجين العلاقات العائلية الضيقة. فيسهل عليه بالتالي أن يعي مصالحه، وأن يربطها بالقضايا الاجتماعية. أما لكي تبلغ المرأة العاملة مرحلة نضج الآراء التي يبلغها العامل العادي، فهذا يعني أن تحقق قطيعة كاملة مع التقاليد والمفاهيم والقيم الأخلاقية والعادات التي تشكل جزءا لا يتجزأ من كيانها منذ نعومة أظافرها. ذلك أن التقاليد والعادات التي تسعى للمحافظة على نمط من النساء أنتجته أطوار النمو الاقتصادي السابقة، تتحول إلى عقبات كأداء في طريق بلوغ المرأة العاملة الوعي الطبقي. من هنا يمكن الخلوص إلى النتيجة الواضحة التالية: إن توعية المرأة العاملة، وبعث الحياة في إرادتها لا يكون إلا باعتماد أسلوب خاص في مخاطبته، إلا باستخدام أساليب متخصصة للعمل بين النساء. إن خصوصية هذه الوسائل تكمن في أنها تبقي على الصلات العامة بين الحركة العمالية النسائية والحركة العمالية العامة، لا بل تعمل من أجل انصهارها فيها عبر النضال، ودمجها معها تحت راية المهام والمطالب الطبقية العامة. غير أنها، في الوقت ذاته، تسمح بقيام جهاز خاص للتحريض معد خصيصا للنساء العاملات. ولهذا الفصل هدف مزدوج. يجب على هذه الهيئات الحزبية (لجان، مكاتب للنساء العاملات، وما شابه) أن يضطلع بعمل تحريضي متخصص متلائم مع مستوى مشاكل جمهور النساء ذي الوعي المتدني، وأن تنمي وعي العاملات، وترفعه إلى مستوى وعي الأعضاء الحزبيين، وتدفع بالنساء إلى حلبة الصراع الثوري. هذا هو الهدف الأول. أما الهدف الثاني فهو أن تتولى هذه الهيئات تمكين العاملات من طرح المطالب الخاصة بهن، بوصفهن نساء، والدفاع عنها: الأمومة، رعاية الأطفال، الحد الأدنى للأجور لعمل الأطفال والنساء، مكافحة البغاء، تخفيف أعباء العمل المنزلي، وغيرها. ينتج عن ذلك أن تشكيل مجموعات من العاملات الحزبيات يخفف أعباء اجتذاب جماهير النساء الأدنى وعيا إلى صفوف الحزب، اللواتي ينبغي التحدث إليهن بلغة مختلفة عن اللغة المستخدمة مع الرجال. ومن جهة ثانية، فإنه – أي تشكيل وحدات من العاملات الحزبيات – يسمح بجذب اهتمام الحزب للمتطلبات الخاصة بالبروليتاريا النسائية. تلك هي النتيجة التي توصلت إليها الرفيقات الأوروبيات تدريجيا. وسرعان ما تبنت معظم الأحزاب هذا الأسلوب في العمل. بدأت النمسا في عام 1908، وانكلترا عام 1906، والولايات المتحدة عام 1908، والبلدان السكاندينافية وبلجيكا وهولندا مع مطلع القرن العشرين. هذا وتوجد في سويسرا وفنلندا وفرنسا هيئات خاصة للنساء الاشتراكيات في كل مكان، تتولى العمل التحريضي بين العاملات وتركز اهتمام الأحزاب العمالية على ذلك الجزء من البرنامج الاشتراكي المتعلق مباشرة بمصالح النساء. وبفضل هذا الأسلوب في العمل، أخذت الحركة العمالية النسائية تنمو وتتسع وتمد جذورها. وأخذ عدد العاملات المنظمات يرتفع في كل عام، لا بل أخذ ينمو بوتيرة أسرع نسبيا من وتيرة تزايد عدد الرجال المنظمين في الحركة الاشتراكية الديمقراطية. ففي ألماني، مثل، كان الحزب لا يحوي عام 1907 أكثر من 10500 عاملة. فقفز هذا العدد عام 1908 إلى 24458، وإلى 62259 عام 1909، و82846 عام 1910، و107000 عام 1911، و130000 عام 1912، و150000 عام 1913. بكلمات أخرى، تضاعف عدد النساء في الحزب 15 مرة في غضون ست سنوات، بينما عدد الرجال بالكاد تضاعف مرتين. ففي عام 1907، كان عدد الرجال 600000، وارتفع عام 1913 إلى 830000. مند زمن ليس بالبعيد، في المؤتمر الأممي للنساء الاشتراكيات المنعقد في شتوتغارت عام 1907، كان عدد العاملات المنظمات حزبيا من الضآلة بحيث أن معظم المندوبات لم يقدمن أي كشف بالأرقام حول عدد النساء في أحزابهن. في ذلك الحين كانت إنكلترا تحتل المرتبة الأولى في عدد النساء العاملات المنظمات، إذ بلغ عدد العاملات في نقاباتها 150000 عاملة، في مقابل 120000 في ألمانيا، و42000 في النمسا، و15000 في المجر. أما بالنسبة للأحزاب، فإن نسبة النساء كانت أكثر انخفاضا. وكانت فنلندا الصغيرة البلد الذي يفاخر بأنه يضم أكبر نسبة من المناضلات الاشتراكيات-الديمقراطيات، غير أن هذه النسبة لم تكن تتعدى الـ 18000 عاملة. ولقد ظهرت صورة مختلفة وأكثر إشراقا في المؤتمر الأممي الثاني للنساء الاشتراكيات المنعقد في كوبنهاغن في آب (أغسطس) 1910. كانت ثلاث سنوات فقط قد مضت على انعقاد أول مؤتمر نسائي. ولكن، يا له من نمو هائل في جيش العاملات المساهمة بنشاط في النضال ! في إنكلترا، كان عدد العاملات المنضويات في النقابات قد جاوز الـ 200000 عاملة، بينما بلغ في ألمانيا 131000 عاملة في النقابات و82645 عاملة في الحزب؛ وضم الحزب في النمسا 7000 مناضلة. كذلك ظهر تقدم ملموس في الحركة العمالية النسائية في بلدان أخرى. وكدليل على مستوى تنظيم العاملات، نقدم الإحصائيات للسنوات الأخيرة قبل الحرب:
لم نورد أعلاه معلومات عن عدد من البلدان – بلجيكا، إسبانيا، دنمارك، والسويد. ثم إن الكثير من الإحصائيات لا تقدم صورة دقيقة عن الوضع، لأن الزمن قد تجاوزه، ذلك أن حركة النساء العاملات أخذت تتقدم بخطوات سريعة في السنوات القليلة الأخيرة. لهذا يستطيع المرء أن يقول بدون مبالغة أن عدد العاملات المنظمات في أوروبا وحدها يبلغ المليون امرأة. يكمن وراء هذه النجاحات التنظيمية الباهرة، ولا شك، عامل اقتصادي موضوعي: النمو المتسارع لليد العاملة النسائية الصناعية وخاصة في البلدان ذات الاقتصاد الرأسمالي الناشئ والسريع النمو نسبيا. ولكن بالإضافة لهذا العامل الموضوعي، فإن التأثير الحيوي الواعي للحزب على جماهير النساء والعمل المتخصص المنتظم الذي اضطلعت به التنظيمات الحزبية بنشاط ودأب، وخاصة في السنوات التي سبقت الحرب، قد لعب دورا مهما في تحقيق مثل هذه النجاحات. ولكي نكوّن صورة أدق عن الوسائل التحريضية التي اتبعتها الحركة النسائية الاشتراكية، لا بد من دراسة تاريخ تلك الحركة بمزيد من التفصيل. وتشكل ألمانيا البلد النموذجي في هذا الصدد. فالبلدان الأخرى تكرر، مع بعض التعديلات، تجربة الحركة الاشتراكية الألمانية وتستعير منها النموذج الأساسي لعملها مع البروليتاريا النسائية. كانت إنكلترا في مطلع القرن التاسع عشر مهد الحركات النقابية النسائية (إذ بدأت عاملات الغزل في لانكشاير تنضم إلى نقابات الغزل والنسيج منذ عام 1824)، وبذلت في السبعينات من ذلك القرن محاولة أولى، بمبادرة من باترسون، لتوحيد النقابات النسائية المبعثرة في « عصبة حماية المرأة العاملة » (التي تحولت فيما بعد إلى « عصبة النقابات النسائية – العصبة النقابية ») واستطاعت أن تربط أطراف الحركة بعضها ببعض وتؤمن الحد الأدنى من التماسك بينها. ولكن إذا كانت العاملات الإنكليزيات أول من خرج للدفاع عن الحقوق الاقتصادية المهضومة للنساء، فإن الاشتراكية الديمقراطية الألمانية هي التي حملت في أحشائها الحركة الحزبية السياسية للعاملات. ومهما تكن أهمية النجاحات التي أحرزها التنظيم النقابي للعاملات في انكلترا، فقد ظلت هذه الحركة مطبوعة بطابع اقتصادي ضيق. فلم تعرف النقابات المختلطة ولا النقابات النسائية المستقلة أي نقاش حول المهام الاجتماعية العامة المتعلقة بتحرر النساء، ولا حول المصالح الحيوية للعاملات، بوصفهن نساء وأمهات. كانت النساء تنضم إلى الحركة النقابية فقط من أجل المكاسب العملية السريعة في مجال العمل ليس في انكلترا وحدها وإنما أيضا في بلدان أخرى كألمانيا وفرنسا وأميركا. واقتصر النقاش وطرح القضايا الاجتماعية العامة التي تمس مصالح النساء على الحركة النسوانية الصاعدة. غير أن النسوانية حرّفت مطالب العاملات وعرضتها للعالم بشكل مشوه، في صيغ عقيمة لا حياة فيها تتحدث عن المساواة المطلقة في الحقوق بين الرجال والنساء في شتى ميادين الحياة. ولا تزال الحركة النسائية العمالية في انكلترا تحمل حتى الآن آثار تلك الازدواجية. ففي المجال الاقتصادي، تناضل المرأة العاملة، بوصفها رفيقة واعية، من أجل مصالح طبقتها. ولكن نجد، في المقابل، أن العاملة المتدنية الوعي تظل متمسكة، في أفكارها الاجتماعية والسياسية، بأفكار « دعاة حق الاقتراع للنساء »، لا بل إنها مستعدة للدفاع عن مبدأ مساواة النساء ولو على حساب مصالحها الطبقية. كانت الحركة العمالية النسائية في ألمانيا مختلفة تماما. صحيح أن تنظيم العاملات كان مرتكزا في الستينات والسبعينات على النقابات بالدرجة الأولى، غير أن الزيادة الكبيرة في حجم القوة العاملة النسائية نتيجة تسارع وتيرة النمو الرأسمالي في ألمانيا، أجبر الحزب الاشتراكي الديمقراطي الناشئ على تحديد موقف واضح من مسألة المرأة. كان ثمة وجهتا نظر تتصارعان داخل التنظيمات العمالية: فالبعض ينظر إلى عمل النساء المهني بوصفه انحرافا عن « النظام الاجتماعي الطبيعي » ويأمل في إجبار النساء على العودة إلى البيوت بواسطة التشريعات القسرية. أما البعض الآخر، فقد قَبِل بالظاهرة على أنها مرحلة حتمية تقود المرأة إلى تحررها النهائي، بوصفها بائعة لقوة عملها وامرأة في آن معا. ولقد لعب كتاب بيبل « المرأة والاشتراكية » الذي صدر عام 1879 دورا حاسما في هذا المضمار. إذ ألقى الضوء الكاشف على تعقيد مسألة المرأة، وفتح الآفاق الجديدة أمام الاشتراكيين الديمقراطيين. كذلك أقام الكتاب المذكور صلة وثيقة بين مسألة المرأة وبين الهدف الطبقي العام للعمال. غير أنه نبه، في الوقت ذاته، إلى الحاجات والمطالب الخاصة بالنساء، وإلى السمات المميزة للمرأة بوصفها امرأة. إن هذا الاعتراف بالوضع الخاص للمرأة في المجتمع الحديث قد استوجب الاعتراف بأنه يوجد مجال للعمل ضمن البروليتاريا النسائية، بدون أن يُعتبر مثل هذا الاعتراف تخريبا لوحدة الحزب. جرت أول محاولات لبناء تنظيمات نسائية اشتراكية في ألمانيا في أواسط الثمانينيات (من القرن الماضي). بمبادرة من وليام-شاك، المناضلة النسوية السابقة التي انضمت إلى الاشتراكيين الديمقراطيين، تأسست جمعيات للتثقيف الذاتي ونواد للعاملات في برلين. لكن الثمانينيات في ألمانيا كانت حقبة حالكة السواد، يطبق فيها قانون تعسفي يحظر النشاط الاشتراكي. فإذا بقوات القمع تدمر بلا رحمة منظمات بريئة، بذلت جهود جبارة لبنائها. وهكذا فإن القانون الخاص لعام 1887 سرعان ما قضى على البدايات الأولى للجمعيات النسائية الاشتراكية. مع هزيمة هذا القانون الذي يحظر النشاط الاشتراكي، توطدت الحركة العمالية الألمانية بسرعة، وانتعشت معها الحركة العمالية النسائية. ولم تفتح أبواب النقابات أمام النساء وحسب، وإنما اختيرت امرأة أيضا رئيسة « اللجنة العامة للنقابات ». أما بالنسبة للحزب الاشتراكي الديمقراطي، فقد اتخذ هذا موقفا واضحا من مسألة المرأة في مؤتمر أرفورت. وإذا بالبرنامج الصادر عن ذلك المؤتمر، عام 1891، لا يشدد فقط على المطالبة بالحقوق السياسية لجميع المواطنين بدون تمييز بين رجل وامرأة، وإنما يرفع أيضا، في بنده الخامس، مطلبا محددا لمصلحة النساء. « إلغاء كافة القوانين التي تميز، حياتيا، بين الرجال والنساء فيما يتعلق بالحقوق السياسية أو المدنية ». هذا إقرار هام بحقوق النساء. فهو يعني أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي أخذ على عاتقه مسؤولية الدفاع عن مصالح نساء الطبقة العاملة، بالمعنى العام للكلمة. فلم تعد المسألة مسألة تحسين ظروف عمل المرأة، وإنما باتت أيضا مسألة تحررها كمواطن وإنسان. انسجاما مع هذا الهدف المعلن الجديد، اضطر الحزب إلى تعديل أنظمته الداخلية لإفساح المجال أمام مشاركة النساء في العمل الحزبي. وكان مؤتمر الهال عام 1890 قد أقر توصية حول تولي النساء رئاسة المؤتمرات أجازت انتخاب النساء كرئيسات للاجتماعات الخاصة بالنساء. وفي مؤتمر برلين، قدمت منظمة برلين النسائية تعديلا يقضي باستبدال منصب « الأمين السر الرجل » بمنصب « أمين السر » فقط، بحيث يتاح للنساء احتلاله. وطالبت منظمة نسائية ثانية، هي منظمة مانهايم، بتوسيع العمل التحريضي بين النساء. غير أن الخطوة الحاسمة بالنسبة لوسائل العمل الحزبي بين العاملات جاءت في مؤتمر غوثا، عام 1896. أثارت كلارا زتكن موضوع العمل الحزبي بين العاملات، وأرست قواعد قيام عمل حزبي متخصص ومستقل بين النساء. وفي سعيها لرسم الحد الفاصل بين مفاهيم المساواة التي يحملها المعسكر البرجوازي والمفاهيم النسائية الاشتراكية، أصرت كلارا زتكن، في توصية صيغت بعبارات كلاسيكية، على أن يركز التحريض بين النساء، بالإضافة لدعوته للأهداف العامة للحزب، على سلسلة كاملة من « القضايا النسائية » المحض، مثل حماية العمل وضمان الولادة ورعاية الأطفال وتربيتهم والتثقيف السياسي للنساء والمساواة السياسية للنساء وغيرها. وأقرت التوصية البدء بنشر الأدبيات والكرّاسات والبيانات الخاصة بالنساء. وبالإضافة لهذه التوصية التاريخية، التي حكمت العلاقة بين الحزب والحركة العمالية النسائية وقضاياها، فقد أقر المؤتمر ثلاث توصيات تكمل الواحدة منها الأخرى وتحدد، على نحو حاسم، الخط الجديد الذي يتبعه الحزب في مجال تنظيم العاملات. وقد طالبت توصية تنظيم برلين بتكثيف العمل التحريضي بين النساء من أجل اجتذابهن إلى النقابات، نظرا لكون القانون يمنع النساء من الانضمام علنا إلى الحزب. أما التوصية الثانية، فكانت تتعلق بالمجال التنظيمي، وطالبت باعتماد منصب حزبي جديد هو « أمينة السر النسائية » المسؤولة عن العمل التحريضي المنتظم بين النساء من أجل رفع مستوى وعيهن الطبقي واجتذابهن إلى صفوف الحزب. واقترحت التوصية الثالثة الانعقاد الفوري للاجتماعات النسائية العامة من أجل انتخاب « أمينات السر للنساء ». بذلك يكون مؤتمر غوثا قد افتتح مرحلة العمل الحزبي لتنظيم النساء والتحريض المنتظم في صفوف البروليتاريا النسائية. نما العمل على النحو المرسوم أعلاه بسرعة وثبات. وجاءت المؤتمرات اللاحقة لتدخل تعديلات طفيفة إلى مسألة تنظيم النساء العاملات والعمل التحريضي بينهن. ويمكن القول بشكل عام أن الحزب ظل ملتزما بخطة عمله التي وضعها في مؤتمر غوثا. صحيح أن عقبة كأداء كانت تعترض تطور الحركة الاشتراكية النسائية في ألمانيا، هي القانون الذي يحظر على النساء الانضمام العلني إلى الحزب. غير أنه في الأمكنة حيث لم يكن يوجد تشريع محلي يحظر على النساء المساهمة في الحركات السياسية – في بادن مثلا وورتنبرغ وساكسوني وهيسين وبعض الدويلات والمدن الحرة كبريمن ولوبيك وهامبورغ – انضمت النساء علنا إلى الحزب. أما في الأمكنة الأخرى، فقد انضممن للعمل السياسي تحت ستار « جمعيات التثقيف الذاتي للعاملات » أو التففن حول « أمينات سر للنساء » في مجموعات حرة غير منتظمة. وعلى الرغم من ذلك، فإن نظام « أمينات السر للنساء » ورئاسة النساء للمؤتمرات وصدور مجلة نسائية، « غلايشهايت » (المساواة) – كل هذه سمحت للحركة النسائية الاشتراكية بأن تكون وثيقة الارتباط بالحركة العامة للطبقة العاملة وأن تبقى تحت تأثير الاشتراكية الديمقراطية، مع أنها ظلت تنمو خارج أطر الحزب. ومع أن الحزب عدل نظامه الداخلي في مؤتمر ماينز عام 1900، مستبدلا نظام « أمين السر » بنظام اللجان المحلية، فإن التعديلات لم تؤثر في تنظيم النساء البروليتاريات. وأقر مؤتمر ميونيخ عام 1902 الإبقاء على منصب « أمينة السر لشؤون النساء »، وجرى تكليف أمينات السر بمهمة تنظيم النساء العاملات ومواصلة العمل التحريضي في صفوفهن. وأقر مؤتمر ماينز منصب أمينة السر المركزية لعموم ألمانيا. وهكذا تمكنت الحركة النسائية الاشتراكية من أن تخطو خطوات جبارة منذ مؤتمر غوثا. ومع مؤتمر ماينز، عام 1900، عقد المؤتمر الأول للنساء الاشتراكيات. وبعده، صارت المؤتمرات تنعقد دوريا في ألمانيا، مرة كل سنتين: في ماينز عام 1900، في ميونيخ عام 1902، في بريمان عام 1904، في مانهايم عام 1906، في نورنبرغ عام 1908، وفي يينا عام 1911. وجاءت مؤتمرات العاملات كجواب طبيعي على تنامي المطالب التي طرحتها الحياة نفسها. ولم يعد بالإمكان تأجيل البت بمسألة حق التصويت للنساء في الرايخشتاغ (المجلس الفدرالي) أو في اللاندتاغ (المجالس المحلية)، أو بمسألة الأمومة المعقدة والمعلقة مند زمن. وكان لا بد من البت في قضايا أخرى معلقة كقضية تربية الأطفال قبل بلوغهم سن الدراسة، وحماية عمل الأطفال والنساء، وإصلاح المدارس، وإصلاح العمل المنزلي، وتنظيم خادمات البيوت، وتحديد أجورهن، وتحقيق الضمان الاجتماعي للأمهات وأطفالهن، والنضال ضد ارتفاع نسبة الوفيات بين الأطفال، الخ. وهذه كلها قضايا تمس العاملات مسا مباشر، لالتصاقها بحياتهن. وقد تولدت عن هذه القضايا مطالب جديدة. وقد درست مؤتمرات النساء الاشتراكيات كافة هذه المطالب وناقشتها وحددت صياغته، فدفعت الحزب بذلك إلى أن يدرس بمزيد من العناية والتمعن الحاجات والتطلعات الخاصة بالنساء. وهكذا تحولت المؤتمرات النسائية إلى لجان خاصة تولت تحضير المواد للمؤتمرات العمالية العامة حول الشؤون الخاصة بالنساء. فنشأ داخل الحزب تقسيم عمل محدد، لا شك في أن الحركة العمالية العامة أفادت منه كثيرا. يُنظر عادة إلى استقلالية الحركة النسائية الاشتراكية في ألمانيا على أنها وليدة خطط تكتيكية سياسية وحسب، ردا على القانون الذي يحظر على النساء الانضمام إلى المنظمات السياسية. هذه الفكرة خاطئة. صحيح أن قانون الاتحاد والتنظيمات أجبر الحركة النسائية الاشتراكية على تكوين هيئات غير حزبية كـ « جمعيات التثقيف الذاتي للنساء العاملات ». غير أنه مع تزايد عدد العاملات الواعيات سياسيا، وجد الحزب طريقة للتحايل على القانون، فانطلق من وحدة الحركة العمالية ليطالب النساء بالانضمام إلى هيئاته بوصفهن « متبرعات متطوعات » للحزب، وما لبثت هذه التبرعات أن أصبحت دورية، وتحولت بذلك إلى اشتراكات لعضوية الحزب. غير أن الحزب أبقى على منصب أمينة السر للنساء، وعلى الاجتماعات النسائية الخاصة، والمكتب النسائي المنفصل الذي يصدر صحيفته الخاصة – غلايشهايت – كما أبقى على المؤتمرات النسائية وغيرها. وأخيرا، عندما ألغي قانون الاتحادات والتنظيمات البروسي في عام 1908، وبات بإمكان العاملات الانضمام إلى الحركة السياسية للاشتراكيين الديمقراطيين، زالت العقبات أمام إلغاء العمل الخاص بين النساء. فهل فعل الحزب ذلك ؟ هل تخلى عن أساليبه السابقة بين البروليتاريا النسائية ؟ بالعكس تماما. بعد مراجعته الجذرية لنظامه الداخلي في مؤتمر نورنبرغ عام 1908، أجاز الحزب للحركة النسائية الاشتراكية الاحتفاظ باستقلالها الذاتي شرط ألا يتعارض مع وحدة الحركة الطبقية. واعتبر الحزب أنه من واجب العاملات الانضمام إلى الحزب كعضوات مساويات للرجال، لكنه أقر رسم اشتراك أدنى من الرسم المفروض على الرجال، بسبب انخفاض أجور النساء. وعلى الرغم من إلغاء منصب « أمينة السر للنساء »، فقد اعترف النظام الداخلي بضرورة إيجاد تمثيل خاص للنساء في كل لجنة حزبية، حسب نسبة العضوية النسائية في القطاع المعني بالأمر. واعتبر أنه في كافة الأحوال، يجب أن يوجد عضو واحد على الأقل في اللجنة الحزبية تنتخبه النساء، ويكون مسؤولا عن العمل التحريضي والتنظيمي بين العاملات. وتقرر أن تتمثل النساء في اللجنة المركزية للحزب، وأبقى على المكتب النسائي للحزب، وإلى جانب الصحيفة المركزية للنساء العاملات، غلايشهايت، صدرت سلسلة من المنشورات النقابية والمحلية المكرسة لمصالح العاملات ومطالبهن. كذلك أبقى النظام الداخلي على الاجتماعات الخاصة بالنساء (دروس، سهرات نقاش)، وعلى « جمعيات التثقيف الذاتي » حيث تدعو الحاجة، كما أبقى، أخير، على المؤتمرات النسائية. من هنا، فالتغيير الذي طرأ على قانون الاتحادات والتنظيمات لم يؤد إلى تغيير في طابع وأسلوب العمل الحزبي في ألمانيا. بل بالعكس، فإن تقسيم العمل داخل الحزب حول العمل التحريضي بين النساء، في السنوات التي سبقت الحرب مباشرة، قد أفسح أرحب المجال أمام نمو وتطور المطالب النسائية الخاصة بالعاملات. ويكفي أن نذكر في هذا الصدد « يوم المرأة » والتحريض من أجل حق الاقتراع للنساء ومحورهما وسيلة جديدة في إثارة اهتمام العاملات بالسياسة، وتثقيفهن في أمور الاجتماع الثوري انطلاقا من حرمان العاملات من الحقوق المدنية. ونما الفرع النسائي في الحزب العمالي الألماني سنة بعد سنة، وتنوعت نشاطاته. والحزب مدين، ولا شك، لمبادرة العاملات بالنسبة لعدد واسع من الفعاليات الدائرة حول قضايا أكلاف المعيشة، وضمانات الأمومة، وتوسيع حق الاقتراع في البلديات. وقد أخذت العاملات على عاتقهن قسطا كبيرا من العمل أيام انتخابات الرايخشتاغ (المجلس الفدرالي الألماني) في يناير 1912، ولعبن دورا فعالا في انتخابات « صندوق التعويض عن المرض »، وخضن تحريضا لا هوادة فيه من أجل اجتذاب النساء إلى الحزب، فعقدن الاجتماعات، ونظمن سهرات النقاش للنساء في كل مكان وصفوف الدراسة المتخصصة، الخ. ففي عام 1912، نظم المكتب النسائي 66 رحلة تحريضية عبر ألمانيا، بالإضافة إلى العمل التحريضي الذي قامت به العاملات في المقاطعات الريفية. فعقدن 22 مهرجان نسائي في الهواء الطلق، فضلا عن سهرات النقاش الدورية والدروس التثقيفية. وتمثلت النساء في 646 لجنة قطاعية (من أصل مجموع قدره 4827 لجنة). وكانت صحيفة غلايشهايت (المساواة) تطبع 107000 نسخة. وارتفع عدد النساء المنضمات إلى الحزب خلال ذاك العام إلى 22500 عضوة. بالإضافة إلى العمل التحريضي في الاجتماعات، خاضت المناضلات الاشتراكيات نضالا تحريضيا خاصا بين « زوجات العمال » في البيوت، وأسفر هذا النضال عن نتائج رائعة. وكانت لجان رعاية الأطفال تعج بالنساء. وبلغ عددها 125 لجنة قبل الحرب، وكانت نشاطاتها متسعة باستمرار. هكذا تبنت الحركة الاشتراكية الديمقراطية الألمانية، بغض النظر عن تأثير الظروف الخارجية، مبدأ العمل الخاص المستقل بين البروليتاريا النسائية، المرتكز إلى قاعدة « قسمة العمل » داخل الحزب. وكان الاشتراكيون الديمقراطيون النمساويون في نفس وضع الحزب الألماني، لجهة الحظر القانوني على انضمام العاملات للتنظيمات السياسية، فسلكوا سبيلهم الخاص، إلى حل مشكلة مشاركة النساء في الحركة العمالية. فشكلوا لجنة خاصة دعيت اللجنة العامة لشؤون النساء التي كانت رسميا خارج الحزب، لكنها مرتبطة به أيديولوجيا. وابتداء من المؤتمر الثاني للنساء العاملات، المنعقد عام 1903، أدرجت مسألة « دور المرأة في النضال السياسي » على جدول الأعمال. وعلى الرغم من أن المؤتمر وافق على توسيع العمل الدعائي بين العاملات، ومن اتخاذه قرارا بتكوين لجان نسائية محلية لهذا الغرض، فإن مساهمة النساء في العمل السياسي كانت تتقدم ببطء وبصعوبة. غير أن الحركة العارمة للعمال النمساويين من أجل إصلاح القانون الانتخابي في عام 1905 شكلت حافزا جديدا للعمل النسائي. فانجذبت النساء إلى النضال، وشاركن في الإضراب العام، مما دفع باللجنة العامة لشؤون النساء إلى أن تتقدم من لجنة الحزب ولجنة النقابات بمشروع لتنظيم العمل بين العاملات على أساس الخطوط التي رسمها الحزب الألماني. وقد أقر مؤتمر الحزب عام 1907 مبدأ إنشاء فرع خاص للتحريض النسائي تابع للحزب؛ ومع انعقاد المؤتمر الثالث للنساء العاملات، في عام 1908، بدأ العمل المستقل في صفوف البروليتاريا النسائية في النمسا مستلهما النموذج الألماني. ولم يغير في الأمر شيئا إلغاء القانون الذي كان يحظر على النساء الانضمام على التنظيمات السياسية عام 1910. في انكلترا، اضطلعت العصبة العمالية النسائية داخل حزب العمال بمهمة التحريض المستقل بين العاملات. ولكن الحزب الاشتراكي الديمقراطي البريطاني قد أنشأ في عام 1906 لجنة نسائية لهذا الغرض نفسه. وفي عام 1908، أنشأ الحزب الاشتراكي الأميركي بدوره منظمة للعاملات في أميركا لاقت نجاحا مرموقا. وفي سويسرا، أسست كلارا زتكن اتحاد النساء العاملات الذي ضم 15 فرعا، وأخذ على عاتقه شتى أشكال العمل لنشر الدعاية الاشتراكية بين العاملات قبل الحرب. والواقع أن فنلندا والسويد والنروج والدنمارك وهولندا – كلها اعتمدت اللجان الحزبية النسائية والمكاتب وأمانات السر النسائية. وشهدت فرنسا في السنوات الأخيرة محاولة لإنشاء تنظيمات حزبية نسائية مشابهة. وإلى جانب هذا الأسلوب في تنظيم العاملات في مختلف الأقطار – الولايات المتحدة، انكلترا، هولندا، السويد – استمرت منظمات خاصة، تقع رسميا خارج الحزب، لكنها كانت هي أيضا تحت القيادة الإيديولوجية للاشتراكيين الديمقراطيين. وشمل هذا الأسلوب في التنظيم جمعيات التثقيف الذاتي للعاملات، واتحادات التوعية وغيرها. وكان الهدف منها إما « تمهيد الطريق » للانضمام للحزب، بواسطة الدعاية في أوساط أشد الجماهير جهلا وتخلفا، وإما تعميق الوعي النظري عند العاملات، وتدريب القوى الاشتراكية الفتية للعب الأدوار القيادية في الحركة الطبقية. في روسيا، بذلنا نحن أيضا المحاولات لإنشاء منظمات من هذا النوع. وكانت أول محاولة في ربيع عام 1906، عندما فتحنا نوادي النساء العاملات، في بعض نواحي بتروغراد، دون أخذ إذن مسبق بذلك. وجاء حل مجلس الدوما الأول ليجبر هذه النوادي على إغلاق أبوابها. جرت المحاولة الثانية في خريف 1907، عندما بادر الاشتراكيون الديمقراطيون إلى تأسيس جمعية التثقيف الذاتي للعاملات، كان هدفها اجتذاب أوسع جماهير النساء ذوات الوعي المتدني إلى الحركة الطبقية، وإدخالهن إلى الاتحادات النقابية وإلى الحزب. لكن النظام القيصري قضى على هذه المحاولات قبل أن تجني ثمارها. ففي عام 1909، اضطرت الحركة العمالية إلى الالتجاء للعمل السري مرة ثانية. غير أن ذلك لم يمنع العاملات الاشتراكيات الديمقراطيات من حضور أول مؤتمر نسائي لعموم روسيا، دعت له حركة الحقوق المتساوية البرجوازية عام 1908. وتمثلت العاملات الاشتراكيات الديمقراطيات في هذا المؤتمر بوفد طبقي متميز ضم 45 امرأة. وبعد أن قدم الوفد مشاريع توصياته التي أقرها المؤتمر، انسحبت العاملات من مؤتمر « بنات الذوات » هذا. في عام 1913، قررت الحركة الاشتراكية الديمقراطية عقد يوم المرأة في روسيا. ويمكن اعتبار هذا الحدث بدء إدراك الطبقة العاملة الروسية لضرورة القيام بعمل خاص بين البروليتاريا النسائية. فمقتضيات الفاعلية وحدها تملي مثل هذا التقسيم للعمل. ذلك أن موقع العاملات في المجتمع الحديث، والمسؤوليات الخاصة التي تتحملها النساء كأمهات وربات بيوت تملي ضرورة اعتماد وسيلة تحريض خاصة للعمل بين البروليتاريا النسائية. والواقع أن الحركة العامة للطبقة العاملة هي التي تستفيد من مثل هذا التقسيم للعمل، أي من التحريض الخاص بين العاملات، ما دام الاهتمام المتزايد بمصالح وحاجات النساء يضاعف من شعبية الحزب بين العاملات، ويشجع النساء على الانضمام إلى الهيئات الحزبية. وهكذا، فإن قيام جهاز حزبي خاص للعمل بين النصف النسائي من الطبقة العاملة لا يضر إطلاقا بوحدة الحركة الطبقية. بل بالعكس تماما، فهو يمد الحزب العمالي بأعداد من المناضلين الجدد، ويوطد قوته، ويوسع بذلك من مجال عمله الاجتماعي الخلاق حتى في مجال حل مسألة معقدة ومرتبكة كـ « مسألة المرأة ». (1) راجع المقدمة التي تعرّف بألكسندرا
كولونتاي (المترجم) (2) تعني بهم طبعا البروليتاريا الصناعية،
« عبيد الأجور »، كما يسميهم ماركس. (المترجم) |